للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذ قال: "وانشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة، حتى لا أرى ولا أسمع ولا أجد ولا أحس إلا بها". ولذلك غلا بعضُ الصوفية أو غلى (١) فقال: أنا الله، جلَّ الله عما يقول وعلا. وبعضُهم شرح وحدةَ الوجود بأن وجودَ الممكن وجودٌ مجازي وما هو بوجود؛ لأنه وجودٌ غير ذاتِيٍّ للممكن، ولكنه مُفَاضٌ عليه من واجب الوجود تعالى، فكأنه لا وجود. قال الشيخ محيي الدين ابن عربي في الباب السادس من الفتوحات في تقسيم المعلومات:

"ومعلوم ثان، وهو الحقيقة الكلية التي هي للحق وللعالم، لا تتصف بالوجود ولا بالعدم (أي لأنه ليس موجودًا كاملًا ولا هو معدوم أصلًا)، ولا بالحدوث ولا بالقدم، هي في القديم إذا وُصِفَ بها قديمةٌ، وفى المحدث إذا وُصِفَ بها مُحْدَثة. لا تُعْلمُ المعلوماتُ قدِيمُها وحديثُها حتى تُعلمَ هذه الحقيقة، ولا توجد


= "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مَنْ مِنْهُ انْشَقَّتِ الأسْرَارُ، وَانْفَلَقَتِ الأنْوَارُ، وَفِيهِ ارْتَقَتِ الْحَقَائِقُ، وَتَنزَّلَتْ عُلُومُ آدَمَ فَأعْجَزَ الْخَلَائِقِ، وَلَهُ تَضَاءَلَتِ الْفُهُومُ فَلَمْ يُدْرِكْهُ مِنَّا سَابِقٌ وَلَا لَاحِقٌ، فَرِيَاضُ المَلَكُوتِ بِزَهْرِ جَمَالِهِ مُونِقَةٌ، وَحِيَاضُ الْجَبَرُوتِ بفَيْضِ أنْوَارِهِ مُتَدَفِّقَةٌ، وَلَا شَيْءَ إِلَّا وَهُوَ بهِ مَنُوطٌ، إِذ لَوْلَا الْوَاسِطَةُ لَذَهَبَ - كَمَا قِيلَ - المَوْسُوطُ، صَلَاةً تَلِيقُ بِكَ مِنْكَ إِلَيْهِ كَمَا هُوَ أهْلُهُ. اللَّهُمَّ إِنَّهُ سِرُّكَ الجْامِعُ الدَّالُ عَلَيْكَ، وَحِجَابُكَ الأعْظَمُ الْقَائِمُ لَكَ بَيْنَ يَدَيْك. اللَّهُمَّ أَلْحِقْنِي بنَسَبِهِ، وَحَقِّقْنِي بِحَسَبِهِ، وَعَرِّفْنِي إِيَّاهُ مَعْرِفَةً أَسْلَمُ بِهَا مِنْ مَوَارِدِ الْجَهْلِ، وَأكْرَعُ بِهَا مِنْ مَوَارِدِ الْفَضْلِ، وَاحْمِلْنِي عَلَى سَبِيلِهِ إِلَى حَضْرَتِكَ، حَمْلًا مَحْفُوفًا بِنُصْرَتِكَ. وَاقْذِفْ بِيَ عَلَى الْبَاطِلِ فَأدْمَغَهُ، وَزُجَّ بي فِي بِحَارِ الأحَدِيَّةِ، وَانْشُلْنِي مِنْ أوْحَالِ التِّوْحِيد، وَأغْرِقْنِي فِي عَيْنِ بَحْرِ الْوَحْدَةِ حَتَّى لَا أرَى وَلَا أَسْمَعَ وَلَا أجِدَ وَلَا أُحِسَّ إِلَّا بِهَا، وَاجْعَلِ الْحِجَابَ الأعْظَمَ حَيَاةَ رُوحِي، وَرُوحِهِ سِرَّ حَقِيقَتِي، وَحَقِيقَتِهِ جَامِعَ عَوَالِمِي، بتَحْقِيقِ الْحَقِّ الأوَّلِ. . يَا أوَّلُ يَا آخِرُ. . يَا ظَاهِرُ يَا بَاطِنُ. . اسْمَعْ نِدَائِي بِمَا سَمِعْتَ نِدَاءَ عَبْدِكَ زَكَرِيَّا. . وَانْصُرْنِي بك لَكَ، وَأَيِّدْنِي بِكَ لَكَ، وَاجْمَعْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ غَيْرِكَ، (الله، الله، الله)، {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: ٨٥]، {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (١٠)} [الكهف: ١٠] (ثلاثًا). {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٥٦)} ". التلمساني، محمد بن محمد المهدي: الإمام مولاي عبد السلام بن مشيش (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٢٧/ ٢٠٠٦)، ص ٤٩.
(١) غلا الأول من الغلُوّ، وغلى الثاني من الغليان، وكلاهما بالمعجمة. - المصنف.

<<  <  ج: ص:  >  >>