للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الحقيقةُ حتى توجد الأشياءُ الموصوفة بها، فإن وُجِد شيءٌ عن غير عدم متقدِّم كوجود الحق وصفاته قيلَ فيها موجود قديم لاتصافَ الحق بها، وإن وُجد شيءٌ عَن عدم كوجود ما سوى الله - وهو المحدث الموجود بغيره - قيل فيها محدثة. وهى في كل موجود بحقيقتها، فإنها لا تقبل التجزِّي، فما فيها كلٌّ ولا بعضٌ ولا يُتوَصَّلُ إلى معرفتها مجردةً عن الصورة بدليل ولا ببرهان. فمن هذه الحقيقة وُجِد العالَمُ بوساطة الحق تعالى، وليست بموجودة فيكون الحق قد أوجدنا من موجود قديم فيثبت لنا القدم. وكذلك لِتَعْلَمْ أيضًا أن هذه الحقيقة لا تتصف بالتقدم على العالم ولا العالم بالتأخر عنها، ولكنها أصلُ الموجودات عمومًا، وهى أصل الجوهر وفلك الحياة والحق المخلوق به وغير ذلك، وهى الفلك المحيط المعقول. فإن قلت إنَّها العالَم صدقت، أو إنَّها ليست العالَم صدقت، أو إنَّها الحق أو ليست الحق صدقت، تقبل هذا كله وتتعدد بتعدد أشخاص العالم، وتتنزه بتنزه الحق". (١)

وقال في الباب السابع والسبعين والمائة: "فلا وجودَ حقيقيّ لا يقبل التبديلَ إلا الله تعالى، [فما في الوجود المحقق إلا الله]، وأما ما سواه فهو الوجودُ الخيالي. . . فكل ما سوى الحق خيال حائل، وظل زائل". (٢)


(١) ابن عربي، أبو بكر محيي الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الحاتمي: الفتوحات المكية، تحقيق أحمد شمس الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٢٧/ ٢٠٠٦)، ج ١، ص ١٨٣ - ١٨٤. وقد جاء قبل هذا الكلام مباشرة قوله بخصوص واجب الوجود: "اعلموا أن المعلومات أربعة: الحق تعالى، وهو الموصوف بالوجود المطلق؛ لأنه سبحانه ليس معلولًا لشيء ولا علة، بل هو موجودٌ بذاته، والعلمُ به عبارةٌ عن العلم بوجوده، ووجودُه ليس غيرَ ذاته مع أنه غيرُ معلوم الذات، لكن يُعلم ما يُنسب إليه من الصفات؛ أعني صفات المعاني وهى صفات الكمال. وأما العلم بحقيقة الذات فممنوع، لا تُعلم بدليل ولا ببرهان عقليّ، ولا يأخذها حدٌّ، فإنه سبحانه لا يُشبه شيئًا ولا يشبهه شيء، فكيف يَعرفُ مَن يشبه الأشياءَ مَنْ لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئًا، فمعرفتك به إنما هي أنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١] {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: ٢٨]، وقد ورد المنع من الشرع في التفكر في ذات الله".
(٢) المرجع نفسه، ص ٤٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>