للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في "شرح حكمة الإشراق": "وقد أتلفت حكمتَهم - يعني الفرس - حوادثُ الدهر، وأعظمُها زوال الملك عنهم، وإحراق الإسكندر الأكبر من كتبهم وحكمتهم". (١)

فليست الحكمةُ المشرقية - فيما أرى - سوى ما فاض به عقلُ الشيخ من المعارف والأذواق التي مَحّص بها كلتا الحكمتين الإشراقية والمشائية، وأخذ من خلاصتها مصححاتٍ قيّمة كما قدمناه لك، وأضاف إليها ما بلغ إليه من تراث الحكمة الفارسية أصولًا قليلة مما تناقلته الأفاضلُ بطريق التلقين. وإذ كانت لم تصل إليه الحكمةُ الفارسية متناسقةً اضطُر إلى تخيّلها وترسّمها بما أمكنه، ثم مزج ذلك ببعض ما لأهل التصوف الإسلامي من الأذواق والكشوفات، مما شهد بصحته العقلُ السليم. وخوَّلَه ذلك أن فنّ التصوف أثر مشرقي رُكِّب على قواعد الزهد الإسلامية، ثم رصّعها الشيخُ ببراهينه وبلاغة تعبيره. ويشهد لذلك أنه عدَل في كتاب "الإشارات" عن بعض المصطلحات الفلسفية، وعوّضها بالمصطلحات الصوفيّة، مثل التعبير عن الحكيم بالعارف. (٢)

ومزج الشيخُ بين حكمة الإشراق والحكمة الفارسية، فركّب منهما الحكمةَ المشرقية؛ إذ كانت حكمةُ الإشراق أقربَ إلى الحكمة الفارسية من الحكمة المشائية. قال الشيرازي في "شرح حكمة الإشراق": "وكان اعتمادُ الفارسيين في الحكمة على الذوق والكشف، وكذا قدماء اليونان، خلا أرسطو وشيعته، فإن اعتمادهم على


(١) شرح الشيرازي، ورقة ٧. - المصنف. شرح حكمة الإشراق، ص ١٧. وهناك بعض الاختلاف بين ما أورده المصنف وما في النسخة المطبوعة، حيث جاء بلفظ: "وقد أتلفت حكمتَهم حوادثُ الدهر، وأعظمُها زوالُ الملك عنهم، وإحراق الإسكندر الأكبر من كتبهم وحكمتهم".
(٢) صفحة ٣٧٤ من الإشارات بشرح الطوسي طبع الآستانة عام ١٢٩٠. - المصنف. ابن سينا: الإشارات والتنبيهات، القسم الرابع، ص ٥٨ - ٧٨ و ٩٦ - ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>