للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وهذه الرتبة التي أشار إليها أبو بكر يُنْتَهَى إليها بطريق العلم النظري والبحث الفكري، ولا شك أنه بلغها ولم يتخطَّها. وأما الرتبة التي أشرنا إليها نحن أولًا فهي غيرُها، وإن كانت إياها، بمعنى (١) أنه لا ينكشف فيها أمرٌ على خلاف ما انكشف في هذه، وإنما تغايرها بزيادة الوضوح ومشاهدتها بأمر لا نسميه قوةً إلا على المجاز، إذ لا نجد في الألفاظ الجمهورية ولا في الاصطلاحات الخاصة أسماءً تدل على الشيء الذي يُشاهَدُ به ذلك النوعُ من المشاهدة". (٢)

ثم ذكر كلام الشيخ في "الإشارات" في أحوال العارفين، (٣) ثم قال: "فهذه الأحوال التي وصفها إنما أراد بها أن تكون له ذوقًا لا على سبيل الإدراك النظري المستخرَج بالمقاييس وتقديم المقدمات [وإنتاج النتائج] ". (٤)

وقال الشيرازي في ديباجة "شرح حكمة الإشراق": "ليس كلُّ العلوم تحصل بالقيل والقال، بل منها ما لا يحصل إلا بتلطيف السِّر والحدس من الأحوال، وعلى هذا نبه الشيخ الرئيس [بلغه الله منتهى مقامات الأبرار بحق المْصطَفَيْن الأخيار] في مواضع من "الإشارات" [وكذا في الشفاء والنجاة] بقوله: "تلطّف من نفسك" وبقوله: "فاحدس من هذا" وأمثالهما". (٥) فهذان الحكيمان يوجهان في بيان حكمة ابن سينا إلى كتاب "الإشارات".

خفتت الحكمةُ المشرقية بخمود تلك النفس المشعة - نفس الشيخ أبي علي رحمه الله. حتى جاء الشهابُ السهروردي، فترسَّم طُولَها، (٦) وبنى على أسسها، ودل


= ليست هيولانية، وهي أجل من أن تُنسَبَ إلى الحياة الطبيعية، بل هي أحوالٌ من أحوال السعداء منزهةٌ عن تركيب الحياة الطبيعية، خليقةٌ لأن يقال لها أحوال إلهية يهبها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء من عباده". المصدر نفسه، ص ٥٨ (نشرة أمين) وص ١٢٧ (نشرة زيدان).
(١) تفسير لكونها عينها وكونها غيرها؛ أي في أنَّها يحصل بها من العلم ما يحصل بالأخرى. وأما المغايرة بينهما، ففي طريق تحصيله وشدة وضوحه. - المصنف.
(٢) حي بن يقظان، ص ٥٩ (نشرة أمين) وص ١٢٧ (نشرة زيدان).
(٣) ابن سينا: الإشارات والتنبيهات، القسم الرابع، ص ٧٦ - ٨٥.
(٤) حي بن يقظان، ص ٦٠ (نشرة أمين) وص ١٢٨ (نشرة زيدان).
(٥) شرح حكمة الإشراق، ص ٢. وما بين حاصرتين لم يورده المصنف، واستكملناه من النسخة المطبوعة.
(٦) كذا في الأصل، ولعل مراده أنه تابعها وسار عليها.

<<  <  ج: ص:  >  >>