للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠) قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥) قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨) فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (١٢٠)} [الشعراء: ١٠٥ - ١٢٠].

وأما احتمالُ أن المعاقبين خلفُهم، فشيءٌ بعيد عن سنة الله في الخلق. وإذا كان طول عمر نوح معجزة، فمن الضروري أن يقارِنَها القومُ المُتحدَّوْن بها ليشهدوا بآيات ربهم. ومن الأمثال التعجبية: "الآباء يأكلون الْحِصْرَم، والأبناء يضرسون". (١).

٢ - ومنها أن الطوفان قد أبرد حرارة الأرض وأنهك قواها، وذلك لنجعل مناسبة لاقترانه بقِصر عمر البشر؛ تصحيحًا للتاريخ العتيق بالإمكان، كما تقتضي مداراتُ هذا الزمان. ولا شكَّ أنه إن أفقد شيئًا عظيمًا من حرارة الأرض - وحُقَّ له أن يفعل ذلك؛ فإنه ما كان واديًا فائضًا أو مطرًا وابلًا، ولكنه غمر ماء يعم الأرضَ كلَّها إلى قمم أشهق جبالها، فماذا ترى مثل هذا الفعل؟ - فقد أعدمها شيئًا ما كان ليرجع إليها من بَعْد.

وإذا كان الطوفانُ قد أتى على جانب عظيم من الأرض، فلا بِدْعَ إنْ هو أنهك بعضَ قواها، وأبردَ من حرارتها جزءًا عظيمًا تسري أدواؤه إلى كلها، كما يُصاب الجسمُ الواحد في بعض مواضعه فيألَم كلُّه، إذا صح عدمُ عموم الطوفان. وربما وجدنا الأممَ التي لم يصلها على هذا التقدير أطولَ أعمارًا من الأمم التي يسمونها طوفانية. (٢)


(١) الْحِصْرَم: الثمر قبل النضج، والْحِصْرَم كذلك حشف كلِّ شيء. وضَرِسَتْ أسنانه تَضْرَسُ ضَرَسًا: كلَّتْ من أكل الحامض. ويقال: ضَرِسَ الرجل. ومعنى المثل واضح. ومراد المصنف من هذه الفقرة أن الله تعالَى قد قضت حكمته واقتضت سنته أن لا يُعاقَب خلفٌ بسبب جريرة سلف، فكل نفس بما كسبت رهينة، وذلك هو مقتضى العدل الذي قامت به السموات والأرض.
(٢) وهي الأمم التي بلغها الطوفان.

<<  <  ج: ص:  >  >>