للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله (يريد اليهود)، وإنِّي والله لا أُلبسُ كتابَ الله بشيء". (١)

ثم قد كان الخلفاء من بعد الصحابة يسألون مَنْ بقي من الصحابة فيما أشكل من الأحكام: فقد رُويَ أن عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير كانا يكتبان إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب يستشيرانه، وأمر عبد الملك الحجاجَ بن يوسف - وهو أمير للحج - أن يقتدي في مناسك الحج بعبد الله بن عمر. (٢)

فلما انقرض عصرُ الصحابة أو كاد، رأى أولو الأمر من المسلمين اشتدادَ الحاجة إلى تدوين ما أُثِرَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لئلا يفوت ذلك بانقراض حَمَلته، فهرعوا


(١) روى ابن عبد البر والخطيب البغدادي بسنديهما - مع اختلاف يسير في اللفظ - عن الزهري، قال: "أخبرني عروة بن الزبير أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أراد أن يكتب السنن، واستشار فيها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأشار عليه عامتهم بذلك، فلبث عمر شهرًا يستخير الله في ذلك شاكًّا فيه، ثم أصبح يومًا وقد عزم الله سبحانه وتعالى له، فقال: "إني كنت قد ذكرت لكم في كتابة السنن ما قد علمتم، ثم تذكرت فإذا أناسٌ من أهل الكتاب قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتبًا، فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني - والله - لا ألبس كتاب الله بشيء أبدًا"، فترك كتابة السنن". القرطبي، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله، تحقيق مسعد عبد الحميد محمد السعدني (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٢٨/ ٢٠٠٧)، ص ٩٠؛ الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت: تقييد العلم، تحقيق يوسف العش (د. م.: دار إحياء السنة النبوية، ط ٢، ١٩٧٤)، ص ٤٩ - ٥١.
(٢) أخرج مالك عن سالم بن عبد الله أنه قال: "كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج بن يوسف، أن لا تخالف عبد الله بن عمر في شيء من أمر الحج. قال: فلما كان يومُ عرفة، جاءه عبد الله بن عمر حين زالت الشمس، وأنا معه، فصاح به عند سُرادقه: أين هذا؟ فخرج عليه الحجاج، وعليه ملحفة معصفرة، فقال: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟ فقال: الرواح إن كنت تريد السنة، فقال: أهذه الساعةَ؟ قال: نعم. قال: فأنظِرنِي حتى أُفيضَ عليَّ ماء، ثم أخرُج. فنزل عبدُ الله حتى خرج الحجاج، فسار بيني وبين أبِي، فقلتُ له: إن كنتَ تريد أن تُصيبَ السنةَ اليوم، فاقصُر الخطبةَ وعجل الصلاة، قال: فجعل الحجاجُ ينظر إلَى عبد الله بن عمر كيما يسمع ذلك منه، فلما رأى ذلك عبدُ الله قال: صدق سالم". الموطأ بروايته الثمانية، "كتاب الحج"، الحديث ٩٨٥، ج ٢، ص ٥٦٧؛ الجوهري، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد: مسند موطأ الإمام مالك، تحقيق لطفي بن محمد الصغير وطه بن علي بوسريح (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ١٩٩٧)، الحديث ١٧٨، ص ١٧٦؛ صحيح البخاري، "كتاب الحج"، الحديثان ١٦٦٠ و ١٦٦٣، ص ٢٦٩ - ٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>