للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الذين تلقَّوُا العلمَ عن الصحابة وهم المعروفون بالتابعين، فكان ابتداء تدوين علم الحديث في خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وكان من أهل العلم وممن سكن المدينة مدةً وشاهد علماءها وروى عنهم. فكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (١) من فقهاء المدينة أن "اكتب إلَيَّ ما كان من سنة أو حديث، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء". (٢) وكان ذلك أواخر القرن الأول، فكتب إليه أبو بكر الحزمي كتبًا، توُفِّيَ عمر بن عبد العزيز قبل أن يبعث بها إليه، (٣) قال مالك: "لولا أن عمر بن عبد العزيز أخذ هذا العلمَ بالمدينة لشككه كثيرٌ من الناس"، (٤) يريد أنه حين كان أميرَ المدينة وكان أبوه قبله أميرَها، فقد علم


(١) أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان، الأنصاري، الخزرجي المدني، أمير المدينة ثم قاضيها، أحد الأئمة الأثبات، وعداده من صغار التابعين. قيل كان أعلم أهل زمانه بالقضاء. روى عن أبيه، وعن عباد بن تميم، وسلمان الأغر، وعبد الله بن قيس بن مخرمة، وعمرو بن سليم الزرقي، وعن خالته عمرة، وغيرهم. وحدث عنه ابناه عبد الله ومحمد، وحدث عنه الأوزاعي وأفلح بن حميد والمسعودي وآخرون، ووثقوه. قال مالك بن أنس: لم يكن على المدينة أمير أنصاري سواه. وقال: ما رأيت مثل ابن حزم أعظم مروءة وأتم حالًا، ولا رأيت من أوتِيَ مثلَ ما أوتِيَ ولاية المدينة والقضاء والموسم (أي موسم الحج). توفِّي سنة ١٢٠ هـ، وقيل سنة ١١٧ هـ.
(٢) أورد المصنف موضعَ الاستشهاد من كتاب عمر بن عبد العزيز بتصرف، ونصه: "انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبه، فإني خِفتُ دروسَ العلم وذهاب العلماء، ولا تَقْبَلْ إلا حديثَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولْيُفشوا العلم، وليجلسوا حتى يُعَلَّم مَنْ لا يعلم، فإن العلم لا يهلِك حتى يكون سرا". صحيح البخاري، "كتاب العلم"، ص ٢٢.
(٣) قال الفسوي (ت. سنة ٣٤٧ هـ): "حدثني عبد العزيز بن عمران وزيد بن حريش قالا: أخبرنا ابن وهب قال: سمعت مالكًا يقول: إن عمر بن عبد العزيز كان يكتب إلى الأمصار يعلمهم السننَ والفقه، ويكتب إلى أهل المدينة يسألهم عما مضى ويعملون بِما عندهم، ويكتب إلى أبي بكر بن حزم أن يَجمع له السنن ويكتب إليه. فتوفِّي عمر، وقد كتب ابن حزم كتبًا قبل أن يبعث بها إليه". الفسوي، أبو يوسف يعقوب بن سفيان: كتاب المعرفة والتاريخ، تحقيق أكرم ضياء العمري (المدينة المنورة: مكتبة الدار، ط ١، ١٤١٠ هـ)، ج ١، ص ٤٤٣.
(٤) المصدر نفسه. قال الفسوي: "حدثني محمد بن أبي زكير قال: أخبرنا ابن وهب قال: سمعت مالكًا يقول: والله ما استوحش سعيد بن المسيب ولا غيره من أهل المدينة بقول قائل من الناس، ولو أن عمر بن عبد العزيز أخذ هذا العلم بالمدينة لشككه كثير من الناس".

<<  <  ج: ص:  >  >>