للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل العجالة وتلقته الناسُ عنهم فشاع بينهم. فلذلك كانت العنايةُ بصرف الهمة إلى تمحيص هذا النوع أوكدَ وأولَى، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "نضَّر الله امرَأً سمع مقالتي فأداها كما سمعها، فرُبَّ حاملِ فقهٍ إلى مَنْ هو أفقه منه، ورُبَّ حاملِ فقهٍ ليس بفقيه". (١)

وأما الترويج، فهو متابعة ما يرغب فيه الطالبون مما ليس بمفيدٍ كمالًا في الرواية. فالترويج يكون لترويج المذهب والنحلة، أو لترويج المقصد. وإنما كان الترويجُ سببًا للوضع؛ لأن المروِّجَ قد يقتنع بوقوع الحديث على وَفْق مطلبه، فتصرفه موافقتُه لمراده عن نقده وتمحيصه. فإذا انضم إلى الترويج شيءٌ من التساهل في الرواية ومن ضعف العدالة كان خطرًا.

ومن الترويج ما يُسمَّى بالتدليس، مثل تدليس الأسماء بأن يعطي شخصًا اسم آخر تشبيهًا، كأن يقول حدثني مالك بن أنس، ويريد البصري الخارجي. (٢)


(١) بقريب من هذا اللفظ أخرج الشافعي بسنده عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "نضر الله عبدًا سمع مقالتي فحفظها ووعاها، وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى مَن هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ونصيحة المسلمين، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم". الشافعي، محمد بن إدريس: الأم، تحقيق رفعت فوزي عبد المطلب (المنصورة/ مصر: دار الوفاء، ١٤٢٥/ ٢٠٠٤)، ج ١: الرسالة، ص ١٨٢ و ٢٢٠. انظر عدة روايات في هذا المعنى جاءت فيها كلمة "مقالتي" كما جاء فيها لفظ "حديث" مع اختلاف يسير في اللفظ وتفاوت من حيث الطول والقصر عند الترمذي في ابن العربي: عارضة الأحوذي، "كتاب العلم"، الحديثان ٢٦٦٥ - ٢٦٦٦، ج ٥، ص ٣٢٦ - ٣٢٨ (قال الترمذي: "حسن صحيح")، وكذا الحديث ٢٦٦٧؛ ابن عبد البر: جامع بيان العلم وفضله، الأحاديث ١٦٩ - ١٨٢، ص ٥٨ - ٦١. وقريب منها حديث عائشة: "نضر الله عبدًا سمع مقالتي هذه فحفظها، ثم وعاها فبلغها عني". الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي: كتاب المتفق والمفترق، تحقيق محمد صادق آيدن الحامدي (دمشق: دار القادري، ١٤١٧/ ١٩٩٧)، الحديث ٧٥٨، ج ٢، ص ١٢١٤. وانظر كذلك روايتين باختلاف يسير في الحاكم النيسابوري: المستدرك، "كتاب العلم"، الحديثان ٢٩٥ - ٢٩٦، ج ١، ص ١٥٢ - ١٥٣.
(٢) قول المصنف: "البصري الخارجي"، خطأ. والصواب: مالك بن أنس النخعي الكوفي. قال الخطيب: "يروى عنه حديث واحد عن هانئ بن حِرام، وقيل: حَرام، رواه سفيان الثوري عن مغيرة بن النعمان النخعي، عن مالك. وقد وهم بعضُ أهل العلم فأدخل حديثه في حديث =

<<  <  ج: ص:  >  >>