للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسمع سحنون رجلًا يحدث عن ابن نافع فقال له: أنتَ أدركت ابن نافع؟ فقال: أردتُ الزبيري ولم أرد الصائغ، فوبَّخه سحنون وقال: "ماذا يظهر بعدي من العقارب! " (١)

ومنه ما قاله الحافظ أبو عمر في "التمهيد": أن يحدث الرجل عن الرجل قد لقيه وأخذ عنه بما لم يسمعه منه، وإنما سمعه بالواسطة مِمَّنْ تُرضى حالُه أو لا ترضى. (٢) فهذا مؤذِنٌ بأنه ما حَذَف الواسطةَ إلا لنقص تَخَّيله فيه، غير أنه إذا كان من أهل الضبط اغتُفِرَ له ذلك. فدَفْعُ هذا هو ضبطُ تاريخ الرواة ومَنْ لقيَ منهم غيرُه ومَنْ لم يلقه، ومقابلة ذلك بروايات أقرانه، مع التوخِّي في ألفاظ التحديث مثل الفرق بين سمعت فلانًا وبين عن فلان.

وأما التفاخر، فهو اعتناء الراوي بإشهار مروياته، حبًّا للمحمدة. ويكون بأمور: منها الإكثارُ من الرواية، ومنها الاعتناءُ بتخريج الغريب، أي الذي لا يُعرَف، ومنها الولعُ بمحسِّنات الحديث. وكلُّ ذلك وإن كان لا يقتضي كذبًا، إلا أنه قد يَجُرُّ إلى التساهل


= مالك ابن أنس الفقيه". الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت: كتاب المتفق والمفترق، تحقيق ودراسة محمد صادق آيدن الحامدي (دمشق: دار القادري، ط ١، ١٤١٧/ ١٩٩٧)، ج ٣، ص ١٩٩٢. وانظر كذلك: ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي: تهذيب التهذيب (حيدر آباد الدكن: دائرة المعارف النظامية، ط ١، ١٣٢٥ - ١٣٢٧)، ج ١٠، ص ٩ - ١٠.
(١) قال عياض عند التنبيه على غلط الكتاب في ضبط الأسماء والتحذير من التصحيف فيها: "فأما تمييز المشتبه منها فمما لا يقف عليه إلا النحرير، ولا يعرفه إلا الفطن بهذا الباب البصير. ولقد بُعث لسحنون في محمد بن رزين، وقد بلغه أنه يروي عن عبد الله بن نافع، فقال له: أنت سمعت ابن نافع؟ فقال: أصلحك الله، إنما هو الزبيري، وليس بالصائغ. فقال له: ولم دلست؟ ثم قال سحنون: ما يخرج بعدي من العقارب. فقد رأى سحنون وجوب بيانها". اليحصبي: ترتيب المدارك، ج ١، ص ٤٧.
(٢) أورد المصنف كلام ابن عبد البر بتصرف غير يسير، وأصله: "وأما التدليس، فمعناه عند جماعة أهل العلم بالحديث أن يكون الرجلُ قد لقي شيخًا من شيوخه فسمع منه أحاديثَ لم يسمع غيرَها منه، ثم أخبره بعضُ أصحابه مِمَّن يثق به باحاديثَ غيرِ تلك التي سمع منه، فيحدث بها عن الشيخ دون أن يذكر صاحبه الذي حدثه بها، فيقول: عن فلان، يعني ذلك الشيخ". موسوعة شروح الموطأ، ج ١، ٣١٨ - ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>