للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الرواية لتكميل ما به المفاخرة؛ لأن الولَعَ بذلك يصير هوًى ومحبة. فكان مالك رحمه الله شديدَ النقد في هذه الأنواع كلها، ونافذَ البصر بسد مواقع الخلل والتهمة فيها.

فأما نحو السبب الأول - وهو الكذب - فقد بالغ في نقد الرجال من ثلاث جهات: جهة العدالة، وجهة أصالة الرأي وتمييز المرويات، وجهة اتباع السنة. قال سفيان بن عيينة: "رحم الله مالكًا، ما كان أشدَّ انتقادُه للرجال والعلماء". (١) وقال ابن المديني: "لا أعلم أحدًا يقوم مقامَ مالك في ذلك". (٢) وقال أحمد بن صالح: "ما أعلم مالكًا رَوَى عن أحد فيه شيء". (٣)

والمحدثون وإن قبلوا روايةَ أهل البدع في الاعتقادات إذ كانوا يحرمون الكذب، إلا أن مالكًا اشترط في ذلك أن لا يكون ذلك الراوي داعيةً لمذهبه؛ لأن ذلك يوجب له تهمة. (٤)


(١) اليحصبي: ترتيب المدارك، ج ١، ص ١٢٤؛ الرازي، ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط ١، ١٩٥٢)، ج ١ (بعنوان: تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل)، ص ٢٣. وهو بلفظ: "ما كان أشدَّ انتقاد مالك للرجال وأعلمه بشأنهم". وعند ابن عدي بلفظ "انتقاء" بدل "انتقاد". المقريزي: مختصر الكامل، ص ٧٢.
(٢) اليحصبي: ترتيب المدارك، ج ١، ص ١٢٣.
(٣) وتمامه: "ما أعلم أحدًا أشدَّ تنقيبًا للرجال والعلماء من مالك، ما أعلمه روى عن أحد فيه شيء". اليحصبي: ترتيب المدارك، ج ١، ص ١٢٤. ومثله ما أورده ابن عدي أن علي بن المديني قال: "لا أعلم مالكًا ترك إنسانًا إلا إنسانًا في حديثه شيء". المقريزي: مختصر الكامل، ص ٧٣. وروى مسلم في "باب بيان أن الإسناد من الدين وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات. . ." من مقدمة صحيحه قال: "وحدثنا أبو جعفر الدارمي. حدثنا بشر بن عمر. قال: سألت مالك بن أنس، عن محمد بن عبد الرحمن الذي يروي عن سعيد بن المسيب؟ فقال: ليس بثقة. وسألته عن صالح مولى التوأمة؟ فقال: ليس بثقة. وسألته عن أبي الحويرث؟ فقال: ليس بثقة. وسألته عن شعبة الذي روي عنه ابن أبي ذئب؟ فقال: ليس بثقة. وسألته عن حرام بن عثمان؟ فقال: ليس بثقة. وسألت مالكًا عن هؤلاء الخمسة؟ فقال: ليسوا بثقة في حديثهم. وسألته عن رجل آخر نسيت اسمه؟ فقال: هل رأيته في كتبي؟ قلت: لا. قال: لو كان ثقة لرأيته في كتبي". صحيح مسلم، ص ٢٠.
(٤) انظر استقصاءَ الأقوال في هذا الشأن في: الخطيب البغدادي: الكفاية في علم الرواية، ص ١١٢ - ١٢٢. وقال مالك: "لا تأخذ العلم من أربعة وخذ ممن سوى ذلك: لا تَأْخُذْ من سفيهٍ معلن =

<<  <  ج: ص:  >  >>