للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن)، وإن كان من غير واسطة الملك غالبًا؛ لأن المنظورَ فيه المعنى دون اللفظ، وفي القرآن اللفظُ والمعنى منظوران". (١)

وهذه التعاريفُ تقتضي أن اللفظَ في الحديث القدسي غيرُ معيَّن، وإنما هو إلقاءُ المعنى في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - دون تعيينِ لفظ، أي بواسطة الملك أو بالإلهام. وتقتضي أن كلَّ ما حكي في الأحاديث من أقوال منسوبة إلى الله تعالى يعتبر حديثًا قدسيًّا، فيدخل فيه ما يجري من حكايةِ محاوراتٍ ومقاولاتٍ فيها كلامُ الله تعالى مع بعض عباده.

وفي شرح جمع الجوامع للمحلي عند تعريف "الكتاب" بقوله: "القرآنُ اللفظُ المنزلُ على محمد - صلى الله عليه وسلم - للإعجاز بسورة منه، المتعبَّد بتلاوته قال المحلي: "فخرج بالمنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - عن أن يسمى قرآنًا الأحاديثُ غيرُ الربانية، وخرج بالإعجاز الأحاديثُ الربانية". (٢) وهذا يتضمن تعريفَ الحديث الرباني، أي القدسي. ويُؤخذ منه أنه موحى بلفظه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لفظه ليس للإعجاز ولا متعبَّدًا بتلاوته، فاقتضى أن لفظَ الحديث القدسي موحًى به بعينه. وإذ لم يكن لنا طريقٌ إلى معرفة كون الكلام الذي يحكى به قولٌ من الله تعالى في الأحاديث النبوية أَهُوَ عيْنُ ما أوحي بلفظه أم هو كلام يرادفه، تعين علينا أن نتوسَّمه من صيغة حكاية روايه.

وكلامُ المحلي والطيبي يزيد بالتصريح بأن لفظَ الحديث القدسي موحى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بلفظه، ولكنه يجوز أن يُروَى بلفظ آخر مساوٍ للفظه في أداء المعنى المراد، على نحو ما ذكروا في رواية حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى، وجوازها في قول الأكثر. فاختلافُ عباراتهم في تحديد الحديث القدسي يزيد بعضُها على بعض، لكِنْ بعضها يكمل بعضًا ويتممه، فالتخالفُ بينها من قبيل التداخل.


(١) ذكر المناوي كلام الطيبي على النحو الآتي: "وفضل القرآن على الحديث القدسي أن القدسي نص إلهي في الدرجة الثانية وإن كان من غير واسطة ملك غالبًا؛ لأن المنظور فيه المعنى دون اللفظ، وفي القرآن اللفظ والمعنى منظوران، فعُلِم من هذا مرتبة بقية الأحاديث". فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج ٤، ص ٤٦٨ - ٤٦٩.
(٢) البناني: حاشية العلامة البناني، ج ١، ص ٣٥٩ - ٣٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>