للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي أستخلصُه من مجموع كلامهم وحملِ بعضه على بعض للجمع بينه أن نقول: "الحديث القدسي هو كلام من الله تعالى صادرٌ منه في الدنيا، غيرُ مخاطَب به مُعَيَّن، موحًى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بألفاظ معينة، غير مقصودٍ بها الإعجازُ ولا التعبُّدُ بتلاوتها، ليبلِّغَها إلى الناس، مع تفويضِ التصَرُّف في ألفاظها بما يؤدي المقصود".

فقولنا: "كلام من الله" جنسٌ شاملٌ لكلِّ لفظٍ يتضمن مرادَ الله، فشمل القرآن وما يُحكَى من أقوال تصدر من الله زجرًا للكفار أو الشياطين.

وخرج بقولنا: "صادر في الدنيا" ما هو إخبارٌ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أقوال تصدر من الله يوم القيامة، أو صدرت منه قبل إهباط آدم إلى الأرض، أو إخبارٌ عن أعمال الله دون أقواله، كقوله في حديث البخاري عن أبي هريرة: "تكفل الله لِمَنْ جاهد في سبيله لا يُخرجه إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلماته، بأن يدخله الجنة أو يرجعه إلى أهله مع ما نال من أجر وغنيمة". (١) فهذه الروايةُ ليس فيها حكايةٌ عن قول الله تعالى، فلا تُعَدُّ حديثًا قدسيًا. ووقع في رواية النسائي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكيه عن ربه عز وجل قال: "أيُّمَا عبدٍ من عبادي خرج مجاهدًا في سبيل الله ابتغاءَ مرضاتِي، ضمنتُ له أن أرجعه بما أصاب مِنْ أَجْرٍ أو غنيمة، وإن قبضتُه غفرت له ورحمته"، (٢) ففي هذه الرواية يكون حديثًا قدسيًا.

وخرج بقولنا: "موحًى به إلى رسوله" ما يُحْكَى من أقوال تصدر من الله تعالى خطابًا لغير محمد - صلى الله عليه وسلم -، كقوله في الحديث: "بينا أيوب - عليه السلام - يغتسل عريانًا، فخر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحتثي في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألَمْ أكن أغنيتُك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك". (٣)


(١) صحيح البخاري، "كتاب التوحيد"، الحديث ٧٤٦٣، ص ١٢٨٦؛ صحيح مسلم، "كتاب الإمارة"، الحديث ١٠٤، ص ٧٥١.
(٢) سنن النسائي، "كتاب الجهاد"، الحديث ٣١٢٣، ص ٥٠٧.
(٣) صحيح البخاري، "كتاب الغسل"، الحديث ٢٨٩، ص ٥٠؛ "كتاب أحاديث الأنبياء"، الحديث ٣٣٩١، ص ٥٦٧؛ "كتاب التوحيد"، الحديث ٧٤٩٣، ص ١٢٩١؛ سنن النسائي، "كتاب الغسل والتيمم"، الحديث ٤٠٧، ص ٧٣ (واللفظ للبخاري).

<<  <  ج: ص:  >  >>