للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبغضك؛ لأنك قتلت أخي زيدًا. قال أبو مريم: يا أمير المؤمنين، هل يعدمني بغضُك إيايَ حقًّا لي في الإسلام؟ قال عمر: اللهم لا. قال أبو مريم: إذن لا يرغي في الحب إلا النساء". (١)

أما التآخي فضروريٌّ أنه لا يحصل ما دامت الأمةُ متنافرة: هذا يسلب حقًّا والآخرُ يسترجعه، وثالثٌ يرى سلبَ الأول إياه ملكًا فيأثر بحب أخذه من يد مسترجعه. وكذلك يكون أمرهم تنازعًا حتى يفشلوا وتذهب ريحهم، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: ١٠]، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله(٢) فانظر كيف قرن بين الأخوة ونفي الظلم. لعل في هذا المقدار مقنعًا لكم إن أردتم أن تعرفوا مرتبةَ القضاء بالحق ومكانَه من الفضيلة.

قال ابن فرحون: "اعلم أن أكثر المؤلفين من أصحابنا بالغوا في الترهيب من الدخول في ولاية القضاء، وشددوا في كراهية السعي فيها، ورغبوا في الإعراض عنها والنفور والهروب منها، حتى تقرر في ذهن كثير من الفقهاء والصلحاء أن مَنْ وَلِيَ القضاء قد سهل عليه دينه. . . وهذا غلطٌ فاحش يجب الرجوعُ عنه والتوبةُ منه. . . واعلم أن كلَّ ما جاء من الأحاديث التي فيها تخويفٌ ووعيد، فإنما هو في حقِّ قُضاة الجور العلماء أو الجهال الذين يُدخلون أنفسَهم في هذا المنصب بغير علم، ففي


(١) أورد الجاحظ خبر هذه القصة بألفاظ متقاربة ومتفاوتة طولًا وقصرًا، وأشملها وأقربها لما ساقه المصنف: "وقال عمر بن الخطاب رحمه الله لأبي مريم الحنفي: والله لا أحبك حتى تحب الأرضُ الدمَ المسفوح. قال [أبو مريم]: فتمنعني لذلك حقًّا؟ قال: لا. قال: فلا ضير، إنما يأسف على الحب النساء". كتاب البيان والتبيين، ج ١/ ٢، ص ٥٧. وانظر أشتاتها في المصدر نفسه، ج ١/ ١، ص ٢٥١؛ كتاب الحيوان، ج ٣، ص ١٣٦؛ ج ٤، ص ٢٠١.
(٢) صحيح مسلم، "كتاب البر والصلة والآداب"، الحديث ٢٥٦٤، ص ٩٩٥. وانظر كذلك سنن الترمذي، "كتابُ البرِّ والصلةِ"، الحديث ١٩٢٧، ص ٤٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>