للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه قال ابن عاصم: "ويُستحب العلم فيه"، (١) فلما اطلع على هذا اللفظ مَنْ لا وقوفَ له على اصطلاح الناس في العلم ظن أن المستحبَّ العلمُ المقابل للجهل.

هكذا يتم تشبيه سلمان؛ لأن العالم بالحق يقضي وهو عالم أن ذلك هو الصواب، فهو كالطبيب المعتمد فيما يشير به على تجربة النفع. أما المقلد فهو كرجل بلغه أن الدواء نافع ولم يجربه، أو اقتضب دواءً من تلقاء نفسه يريد أن يجربه في ذلك المريض، فهذا إذا ناول المريضَ شيئًا لم يكن آمنًا من سوء المغبة.

إذا نظرنا إلى الشروط الواجبة في القاضي، نجدها ترجع إلى دفع وصف المتطَبِّب عنه وهي: ١. التكليف؛ لأن غير المكلف قاصرُ النظر قطعًا. ٢. والذكورة لضعف المرأة عن الأخذ بالحقوق ونزوعها إلى الرحمة والشفقة. ٣. والحرية لأن المملوك لا يُرجى لإقامة الحق ما دام يَخاف غيرَه، فربما قضى بهوى سيده. هذا هو الذي تشدون عليه من سر اشتراط الحرية في القاضي، ولا تُصْغُوا إلى ما يذكرونه من أن الرق أثر الكفر؛ لأنه لو صح لبطل استقضاء المولى. ٤. والعدالة، وأمرها واضح. ٥. والسلامة من فقد الحس أو المنطق؛ لأنه لا يُتَوصَّل إلى الحقيقة إلا بالفهم والاستفهام.


(١) جزء من صدر البيت السابع عشر من نظم أبي بكر ابن عاصم المعروف "تحفة الحكام في نكت العقود والأحكام"، وتمام البيت:
وَيُسْتَحَبُّ العِلْمُ فِيهِ وَالوَرَعْ ... مَعَ كَوْنِهِ الأُصُولَ لِلْفِقْهِ جَمَعْ
التسولي، أبو الحسن علي بن عبد السلام: البهجة في شرح التحفة ومعه حُلى المعاصم لفكر ابن عاصم، نشرة بعناية محمد عبد القادر شاهين (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١٨/ ١٩٩٨)، ج ١، ص ٣٨. وانظر كذلك (مع بعض الاختلاف): التوزري الزبيدي، عثمان بن المكي: توضيح الأحكام على تحفة الحكام (تونس: المطبعة التونسية، ١٣٣٩)، ج ١، ص ٢٠ (والتوزري صاحب هذا الشرح أحد علماء جامع الزيتونة، كان من زملاء المصنف، وقد أُجيز كتابُه هذا من قبل النظارة العلمية للجامع التي كان ابن عاشور من أعضائها، عليهما رحمة الله).

<<  <  ج: ص:  >  >>