للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبقي شرط الاتحاد على خلاف فيه، فدليلُ مشترِطه أنه أَعْوَنُ على اتحاد الأحكام والسلامة من التشويش على الخلق. (١)

"فتدخل النار": لقد أبدع كلامُ سلمان في التفنن؛ إذ تخلص من المشابهة التمثيلية على طريقة الخطابة البلاغية إلى المشابهة الشرعية المسماة بالقياس، فرَتَّب على تمثيل القضاء بالطب تمثيلَ القضاء بغير الحق بقتل النفس، تحذيرًا من العقاب المشهور لقاتل النفس، وهو دخول النار بجامع إضاعة الحق فيهما. ولأن القضاء قد يتعلق بالقصاص، فإذا تساهل فيه قتل نفسًا خطأ قريبًا من العمد لأجل التساهل.

وقد بلغ سلمان النصيحة والتذكير بخوف الله تعالى، فاستقاموا وأقاموا العدل، وسادوا العالم. فلما انقلبت الحال في عقائد الناس إلى المماهلة (٢) في أمر الله، والاستخفاف بالوعيد تحت اسم الرجاء وما هو إلا الإرجاء، واتكل الناس على الطمع في المغفرة، آل بهم الأمرُ إلى الإدبار. قال حجةُ الإسلام أبو حامد في كتاب الرجاء من إحياء علوم الدين: "المحبوبُ المتوقَّع لا بد وأن يكون له سبب، فإن كان انتظارُه لأجل حصول أكثر أسبابه فاسم الرجاء عليه صادق. وإن كان ذلك انتظارًا مع انخرام أسبابه واضطرابها، فاسم الغرور والحمق عليه أصدق من اسم الرجاء. وإن لم تكن الأسبابُ معلومةَ الوجود ولا معلومةَ الانتفاء، فاسم التمني أصدقُ على انتظاره؛ لأنه انتظار من غير سبب". (٣) ومعرفة الأسباب تسهل لمن يعرض نفسه


(١) قال ابن رشد الحفيد: "ومن شرط القضاء عند مالك أن يكون واحدًا، والشافعي يجيز أن يكون في المصر قاضيان اثنان إذا رسم لكل واحد منهما ما يحكم فيه. وإن شرط اتفاقهما في كل حكم لم يَجز، وإن شرط الاستقلال لكل واحد منهما فوجهان: الجواز والمنع". ابن رشد القرطبي، القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، تحقيق هيثم جمعة هلال (بيروت: دار المعارف، ط ١، ١٤٢٧/ ٢٠٠٦)، ص ٨٥٦ - ٨٥٧.
(٢) المماهلة هنا بمعنى التباطؤ والإهمال وعدم الاكتراث.
(٣) الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد: إحياء علوم الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٢٣/ ٢٠٠٢)، ج ٤، ص ١٩٠. هذا وقد ساق المصنف كلام الغزالي بشيء من التصرف وأوردناه كاملًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>