السيوطي عن المزي من قوله:"إنه روي من طرق تبلغ مرتبةَ الحسن"، فلم ندر قرارَه بهذه الطريق، فلعله يعني بها طريقَ كثير بن شنظير، وقد علمت ما فيها. وعلى تسليم كون الخلاف في كُثَيِّر بن شِنْظير لا يسقطه إلى درك الجرح، فإن حقيقةَ الحديث الحسن لا تنطبق على مثله؛ إذ الحديثُ الحسن يُشترط فيه سلامةُ رجال سنده من الجرح، وإنما ينزل عن مرتبة الصحيح بقلة ضبط رجاله مع عدالتهم.
وبقي لنا قولُ المناوي: إن كثرةَ طرق هذا الحديث تقويه. فهذا كلامٌ نحتاج في رده إلى تطويل؛ لأن صدورَ أمثاله كثيرٌ من كلام بعض المنتقدين للحديث. وهو كلامٌ لا يُؤخذ على إطلاقه؛ لأن الضعيف أقسامٌ كثيرة تنتهي في الضعف إلى الموضوع، فإن الموضوع من الضعيف عند المحققين من المحدثين. (١)
فبنا أن ننظر إلى حالة الضعيف: فإن كان ضعيفًا قريبًا من الحسن - أعني قد نقص منه صفةٌ من صفات الحسن أو صفتان ليست إحداهما راجعةً إلى اتهام بعض رواته - فهو مقبولٌ في الجملة. فهذا إذا اعتضد بطرق أخرى متماثلة في الضعف بدون طعن في أحد رواته قد يكتسب قوةً ما، ولكنها قوةٌ لا تُخرجه عن رتبة الضعف، وإنما تُكسبه قوةً في الضعف. فهذا مشتبِهٌ على الضعفاء في علم الحديث، فيحسبون أن الضعيفَ من هذا النوع إذا اعتضد بمثله ارتقى إلى رتبة الحسن، وهو وهم وتخليط.
ألا ترى أن المُحدِّثين ذكروا في حديث:"مَنْ حفظ مِنْ أمتي أربعين حديثًا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة العلماء"، أنه رُوِيَ عن جماعة من الصحابة:
(١) وقد عبر ابن الصلاح عن هذا المعنى بقوله: "اعلم أن الحديث الموضوعَ شرُّ الأحاديث الضعيفة، ولا تحل روايتُه لأحدٍ علم حاله في أي معنى إلا مقرونًا ببيان وضعه، بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يُحتمل صدقُها في الباطن، حيث جاز روايتُها في الترغيب والترهيب". الشهرزوري، أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن: علوم الحديث، تحقيق نور الدين عتر (دمشق: دار الفكر، ط ٣، ١٤٢٣/ ٢٠٠٢)، ص ٩٨ - ٩٩. وبمثله، بل تبعًا له، عبر النووي في "التقريب". السيوطي: تدريب الراوي، ص ٢٣٤.