للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجب الجواب. دل على هذا ما ورد في حديث ابن ماجه عن أبي هريرة: "ما مِنْ رجلٍ يحفظ علمًا فيكتمه. . ." إلخ. (١) وقد سئل مالك رحمه الله عن أربعين مسألة، فأجاب في ست وثلاثين منها: بلا أدري. (٢)

وقال القرافي في الفرق الثامن والسبعين: "اعلم أن طالبَ العلم له أحوال: الحالة الأولى: أن يشتغل بمختصر من مختصرات الذهب فيه مطلقاتٌ مقيدة في غيره، وعموماتٌ مخصوصة في غيره. ومتى كان الكتابُ المعين حفظه وفهمه كذلك، أو جوز أن يكون كذلك، حرُم عليه أن يُفتي بما فيه وإن أجاده حفظًا وفهمًا، إلا في مسألة يقطع فيها أنها مستوْعَبةُ التقييد، وأنها لا تحتاج إلى معنى آخر من كتاب آخر فيجوز له أن ينقلها لمن يحتاجها على وجهها من غير زيادة ولا نقصان، وتكون هي عينَ الواقعة المسؤول عنها لا أنها تشبهها ولا تخرج عليها بل هي حرفًا بحرف؛ لأنه قد يكون هناك فروقٌ تمنع من الإلحاق، أو تخصيص أو تقييد يمنع من الفتيا بالمحفوظ فيجب الوقف. الحالة الثانية: أن يتسع تحصيله في المذهب، بحيث يطلع من تفاصيل الشروحات والمبسوطات على تقييد المطلقات، وتخصيص العمومات، ولكنه مع ذلك لم يضبط مدارك إمامه ومستنداته في فروعه ضبطًا متقَنًا، بل سمعها من حيث الجملة من أفواه الطلبة والمشائخ، فهذا يجوز له أن يفتي بجميع ما ينقله ويحفظه في مذهبه اتباعًا لمشهور ذلك المذهب بشروط الفتيا. ولكنه إذا وقعت له واقعة ليست في حفظه لا يُخَرِّجها على محفوظاته، ولا يقول: هذه تشبه المسألة الفلانية؛ لأن ذلك إنما يصح ممن أحاط بمدارك إمامه وأدلته وأقيسته وعلله التي اعتمد عليها مفصلة. . . الحالة الثالثة: أن يصير طالبُ العلم إلى ما ذكرناه من الشروط مع الديانة الوازعة والعدالة المتمكنة، فهذا يجوز له أن يفتيَ في مذهبه نقلًا


(١) سبق تخريجه.
(٢) أورد القاضي عياض عن الهيثم بن جبيل قال: "شهدت مالكًا سئل عن ثمانٍ وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين: لا أدري"، كما ذكر عن خالد بن خِراش أنه قال: "قدِمتُ من العراقَ على مالك بأربعين مسألة، فما أجابني إلا في خمس منها". ترتيب المدارك، ج ١، ص ١٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>