للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية"، (١) يعني عند مصيبة الموت، كأن يدعوَ بالويل والثبور.

فهذه الأحاديثُ كلُّها توهم أن الآتي بهذه الأحوال منتفٍ عنه وصفُ الإسلام، فيكون غير مسلم؛ لأن ضمير المتكلم المشارك إذا نطق به الرسول - صلى الله عليه وسلم - تبادر منه أن المرادَ به الرسولُ مع جماعته، وهم المسلمون. والحديثُ الذي نتكلم عليه ضميره أظهر؛ لأنه عائدٌ على لفظ المسلمين السابق.

ولكن هذا الظاهرَ الذي أوهم هذا المعنى غيرُ مرادٍ من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - قطعًا، لِمَا ثبت في أصول الدين من الأدلة الموجِبَةِ للقطع بأن الوقوعَ في بعض المحرَّمات ليس بموجِبٍ خروجَ الواقع فيها عن الإسلام. ولذا كان من أصول اعتقاد أهل السنة أن لا يُكَفَّر أحدٌ بذنب ولا بذنوب، كائنةً تلك الذنوب ما كانت. فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد بَيَّن معنى الإسلام للأمة بما لم يبق معه ريبٌ لأحد من المسلمين في فهمه، وحاصلُه أنه النطقُ بالشهادتين عن اعتقاد معناهما، والتصديقُ به في القلب.

وكذلك كان شأنُ الرسول عليه الصلاة والسلام في بيان أصول الدين وعماده؛ فإن ذلك أهمُّ شيء إذ هو مدخلُ الجامعة الإسلامية. فلذلك لم يكن المسلمون في عصر النبوة وما يليه يجهلون أنهم مسلمون؛ وكانوا يميزون المسلمَ من غير المسلم. وقد ألَمَّ بعضُ المسلمين ببعض الكبائر في زمن الرسول [- عليه السلام -]، والخلفاء الراشدين، فلم يُعِدَّهم خارجين عن حظيرة الإسلام، ولا أجرى عليهم السلفُ ما أجْرَوْه على المرتدين. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - غنِيٌّ عن التصدي لزيادة التفصيل في بيان مَنْ هو مسلم، ومَنْ ليس بمسلم. فمتى وجدنا في بعض ما يُروَى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيهامَ


(١) صحيح البخاري، "كتاب الجنائز"، الأحاديث ١٢٩٤ و ١٢٩٧ - ١٢٩٨، ص ٢٠٧؛ "كتاب المناقب"، الحديث ٣٥١٩، ص ٥٩١؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث ١٠٣، ص ٥٧؛ سنن الترمذي، "كتابُ الجنائز"، الحديث ٩٩٩، ص ٢٦٢. واللفظ للترمذي.

<<  <  ج: ص:  >  >>