وذهب جماعةٌ إلى أن الحديث منسوخٌ بما دلَّ على عدم مؤاخذة أهل الفَتْرة، وهو بعيد؛ لأن النسخ لا يدخل الأخبار. والرسول على مقتضى تلك الرواية أخبر بأن المسؤول عنه في النار، فكيف ينسخ ما أخبر به؟ فلا يستقيم هذا الجوابُ إلا بتكلف.
فأما جمهور علماء الأمة - ونحن في زمرتهم - فقد أثبتوا لأبوي رسول الله وآبائه الشرفَ الأخروي، ولهم في ذلك ثلاث مراتب:
١ - المرتبة الأولى أنه شرف النجاة من خزي يوم القيامة بأن يكونوا ناجين من عذاب النار، وذلك بأنهم على دين قومهم أو بعضه، ولكنهم غير مؤاخَذين على ذلك؛ لأنهم لم يأتهم رسولٌ بشرع فيكفروا به حتى يحقَّ عليهم عذابُ الكافرين بالرسل؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥]. والمراد بالرسول هو معناه المعروف في اللغة، ومَنْ تأَوَّله بما يشمل دلالةَ العقل فقد خرج عن مهيع اللغة، على أنه يصادمه قولُه:"نبعث" إذ العقل لا يُبعث.
ومما نوقن به أن آباءَ رسول الله وأمهاتِه كانوا كلُّهم من أهل الفترة، إذ لم يقم في العرب العدنانية رسولٌ بعد إسماعيل - عليه السلام -، فإن الرُّسُلَ الذين جاؤوا بعدُ في العرب هم هود وصالح - أرسلَا إلى عاد وثمود من العرب القحطانيين - وشعيب - أرسل لأهل الرَّس وهم بقية من ثمود - وخالد بن سنان العبسي - أُرسل إلى عبس خاصة من العدنانيين، وقيل: هو نبي وليس برسول.
= دينَك ودين آبائك، وفرَّق جماعة قومك، وسفَّهَ أحلامَهم، فنقتله، فإنما هو رجل برجل. فقال: والله لبئس ما تسومونني! أتُعطونني ابنَكم أغذوه لكم، وأُعطيكم ابني تقتلونه؟ والله لا يكون هذا أبدا". ابن هشام: السيرة النبوية، ج ١/ ١، ص ٢١٣ - ٢١٤. وانظر كذلك السهيلي: الروض الأنف، ج ٢، ص ٦؛ الطبري: تاريخ الرسل والملوك، ج ٢، ص ٣٢٣. ولكن ذكر السيوطي - دون بيان مصدره - "أن إطلاق ذلك على أبي طالب [يعني لفظ الأب بالنسبة للنبي - عليه السلام -]، كان شائعًا في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذا كانوا يقولون له: قل لابنك يرجع عن شتم آلهتنا". الحاوي للفتاى، ج ٢، ص ٢٢٧.