للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمَنْ كان يُعَدُّ من آباء رسول الله بعد الذين أدركوا إسماعيل فهم أهل فترة. وقد قال جمهور علماء السنة والأئمة الثلاثة - مالك والشافعي وأحمد - والأشاعرة كلُّهم وأهل بخارى من الماتريدية: إن أهل الفترة غير مؤاخَذين على الجهل بالله وبوحدانيته، لقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥]، وردوا أو تأوَّلوا جميعَ الآثار الدالة على خلاف هذا الأصل. وقال المالكية: إنها أخبارُ آحاد لا تعارضُ قواطِعَ الاعتقاد، وإذا بطل استحقاقُ العذاب لم يتحقق الوعيدُ في شأنهم. فقيل: إنهم غيرُ معذَّبين ولا مثابين - وهو ظاهرُ كلام المحدثين، ثم يقع امتحانُهم فيدخلون الجنة. وقيل: يدخلون الجنة دون امتحان، وهو منسوبٌ لأهل الأصول من الأشاعرة وللشافعي في الأم. (١)


(١) انظر في ذلك: البيهقي، الاعتقاد، ص ٧٦ - ٧٧؛ ابن كثير: عمدة التفسير، ج ٢، ص ٤٢٤ - ٤٢٥. وقد قرر العلامة محمد الأمين الشنقيطي - بعد أن حكى مختلف الأقوال في المسألة مقرونة بما ساقه كلُّ فريق من أدلة على مذهبه - ضرورةَ الجمع بين الأدلة ما أمكن، ثم قال: "ووجهُ الجمع بين هذه الأدلة: هو عذرُهم بالفترة، وامتحانُهم يوم القيامة بالأمر باقتحام النار: فمن اقتحمها دخل الجنة، وهو الذي كان يُصدِّق الرسلَ لو جاءته في الدنيا، ومن امتنع عُذِّب بالنار، وهو الذي يكذب الرسلَ لو جاءته في الدنيا؛ لأن الله يعلم ما كانوا عاملين لو جاءتهم الرسل. وبهذا الجمع تتفق الأدلة، فيكون أهلُ الفترة معذورين، وقوم منهم من أهل النار بعد الامتحان، وقوم منهم من أهل الجنة بعده أيضًا، ويُحمل كل واحد من القولين على بعضٍ منهم علم الله مصيرهم، وأعلم نبيَّه - صلى الله عليه وسلم -، فيزول التعارض". الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار الجكني: دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب نشرة بإشراف بكر بن عبد الله أبو زيد (مكة المكرمة: دار عالم الفوائد، ط ١، ١٤٢٦)، ص ١٩٨ - ١٩٩. وانظر له كذلك: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، نشرة بإشراف بكر بن عبد الله أبو زيد (مكة المكرمة: دار عالم الفوائد، ط ١، ١٤٢٦)، ج ٣، ص ٥٥٩ - ٥٧٣. وقد قال المصنف عند تفسير قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥]: "هذا استقصاء في الإعذار لأهل الضلال زيادةً على نفي مؤاخذتهم بأجرام غيرهم. ولهذا اقتصر على قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ} دون أن يقال: ولا مثيبين؛ لأن المقام مقامُ إعذارٍ وقطعِ حجة، وليس مقامَ امتنان بالإرشاد. والعذاب هنا عذاب الدنيا بقرينة السياق وقرينة عطف: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: ١٦] الآية. ودلت على ذلك آياتٌ كثيرة، قال الله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ =

<<  <  ج: ص:  >  >>