للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - المرتبة الثانية أن شرفَهم الأخروي شرفُ الثواب على الإيمان بالله الواحد على حكم ما ثبت لمن خلع الشرك من أهل الفترة، مثل أمية بن أبي الصلت (١) وزيد


= إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٠٩)} [الشعراء ٢٠٨, ٢٠٩]، وقال: {فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٤٧)} [يونس: ٤٧]. على أن معنى "حتى" يؤذن بأن بعثة الرسول متصلةٌ بالعذاب شأن الغاية، وهذا اتصالٌ عرفي بحسب ما تقتضيه البعثة من مدةٍ للتبليغ والاستمرار على تكذيبهم الرسول والإمهال للمكذبين، ولذلك يظهر أن يكون العذاب هنا عذاب الدنيا وكما يقتضيه الانتقال إلى الآية بعدها. على أننا إذا اعتبرنا التوسعَ في الغاية، صح حملُ التعذيب على ما يعم عذابَ الدنيا والآخرة. ووقوع فعل "معذبين" في سياق النفي يفيد العموم، فبعثة الرسل لتفصيل ما يريده الله من الأمة من الأعمال. ودلت الآيةُ على أن الله لا يؤاخذ الناسَ إلا بعد أن يرشدهم، رحمةً منه لهم. وهي دليلٌ بيِّنٌ على انتفاء مؤاخذة أحدٍ ما لم تبلغه دعوةُ رسولٍ من الله إلى قوم، فهي حجةٌ للأشعري ناهضةٌ على الماتريدي والمعتزلة الذين اتفقوا على إيصال العقل إلى معرفة وجود الله، وهو ما صرح به صدرُ الشريعة في التوضيح في المقدمات الأربع. فوجود الله وتوحيده عندهم واجبان بالعقل، فلا عذر لمن أشرك بالله وعطل، ولا عذر له بعد بعثة رسول. وتأويلُ المعتزلة أن يراد بالرسول العقل تطوُّحٌ عن استعمال اللغة وإغماضٌ عن كونه مفعولًا لفعل "نبعث"؛ إذ لا يقال بعث عقلًا بمعنى جعل". تفسير التحرير والتنوير، ج ٧/ ١٥، ص ٥١ - ٥٢. وراجع ما قاله عند تفسير قوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥]. المرجع نفسه، ج ٤/ ٦، ص ٤٢ - ٤٣.
(١) هو أمية بن أبي الصلت بن عوف بن عقدة بن عنزة بن قسي، وأبوه هو عبد الله بن أبي ربيعة. ووالدته هي رقية بنت عبد شمس. كان أمية من بيت عرف بالشعر، فأبوه شاعر، وولداه القاسم وربيعة كانا شاعرين. اختلف في ديانته؛ فقيل: كان على اليهودية، وقيل: تنصر، وقيل: كان على الحنيفية. وقد كان على اطلاع على الأسفار المقدسة لليهود وعلى الإنجيل. وشعره طافح بمعاني دينية توحيدية، وفيه اقتباسات كثيرة من الكتب المقدسة لليهود والنصارى وخاصة الإنجيل. وقد عده الأب لويس شيخو اليسوعي من شعراء النصرانية قبل الإسلام. والمؤكد أنه كان حنيفيًّا، ويشهد لذلك الكثير من شعره، ومنه قولُه:
كُلُّ دِينٍ يَوْمَ القيَامَة عنْدَ اللَّـ ... ـهِ - إلَّا دينَ الحَنِيفَةِ - زُورُ
وقال أبو الفرج الأصفهاني: "كان أمية بن أبي الصلت قد نظر في الكتب وقرأها، ولبس المسوح تعبدًا، وكان ممن ذكر إبراهيم وإسماعيل والحنيفية، وحرم الخمر وشك في الأوثان. وكان محققًا، والتمس الدين وطمع في النبوة؛ لأنه قرأ في الكتب أن نبيًّا يُبعث في العرب، فكان يرجو أن يكونه". الأغاني، ج ٢/ ٤، ص ٩٢. وقيل إنه قصد النبي - عليه السلام - يريد أن يسلم، فصده جماعةٌ من =

<<  <  ج: ص:  >  >>