للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأندلسي المالكي رحلتَه الشهيرة إلى المشرق أولَ القرن السابع، واتصل بالملك الجليل مظفر الدين أبى سعيد كوكبوري ابن زين الدين علي كوجك صاحب إربل، (١) حسَّن الشيخُ للملك التسننَ بهذا السَّنَن، فرغبت همتُه في الاتصال بميسم أفاضل الزمن. لذلك أقام في سنة ست وستمائة حفلًا عظيمًا، وأنشأ له ابنُ دحية كتابًا سماه "التنوير في مولد السراج المنير"، ليُقرأ في ذلك اليوم، وجعل يعيد قراءته كلَّ عام، تارةً في اليوم الثامن وتارة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول. فهو أولُ الملوك [في] نظم هذا الاحتفال في سلك رسوم دولته. (٢)

وأولُ مَنْ سلك هذا المسلك من ملوك المغرب السلطان أبو عنان المريني، ونَحا ذلك النحو السلطان الجليل أبو فارس عبد العزيز بن أحمد الحفصي سلطان تونس، وعين لذلك ليلة اثنتى عشرة من ربيع الأول، فكم أغدق في تلك الليالي من خيرات، وأجرى من عوائد وصلات. (٣) ثم لحقت بهذه الإيالة شدائدُ ومحن، وانطوى من بهجة الدولة الحفصية ذلك البساطُ الحسن، فلم يبق من تلك الرسوم إلا ما ينبعث عن أريحية أهل الطريق أو أصحاب العلوم. حتى قيض الله لتجديد ما رثَّ منها، وتلقيم ما ذوى من شجرتها وتفرع عنها، الأميرَ السامي الهمه، (٤) الرامي إلى معالِي الأمور عن قوسٍ أراشَ سهمَه، (٥) الفائز بتعظيم قدر المصطفى، المشير


= عبد الله عبد القادر الشيخ محمد نور الفادني (الدوحة: إدارة الشؤون الإسلامية - وزارة الأوقاف والأوقاف والشؤون الإسلامية، دولة قطر، ط ١، ١٤١٦/ ١٩٩٥)، ص ١٧ - ٣٠ (مقدمة المحقق).
(١) توُفِّيَ سنة ٦٣٠ هـ في بلده، ودفن بالمشهد العلوي بالكوفة. - المصنف.
(٢) ابن كثير: البداية والنهاية، ج ١٧، ص ٢٠٥؛ ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج ٣، ص ٤٤٨ - ٤٤٩ (وانظر ترجمة الملك المذكور وخبر شأنه مع العلماء والاحتفال بمولد المصطفى في المصدر نفسه، ج ٤، ص ١١٣ - ١٢٠).
(٣) المقري التلمساني: أزهار الرياض بأخبار عياض، ج ١، ص ٣٩ و ٢٤٣.
(٤) أُبدلت التاء هاءً مراعاة للسجع.
(٥) أراش السهمَ: شد عليه الريش، ومنه قول الشاعر:
فَأَرَاشَتْ لَنَا اللَّيَالِي سِهَامًا ... مِنْ صُرُوفِ النَّوَى فَجَدَّ جَفَاهَا =

<<  <  ج: ص:  >  >>