للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جانبي الفعل. وأما جانبُ غُبن أهل الشقاوة، فجعلَه الزمخشريُّ تهكمًا؛ لأن نزولهم في منازلَ النار ليس غبنًا لأهل السعادة. وعلى هذا الوجه يكون اللفظُ مستعملًا في مجازين مختلفين على وجه يشبه المشاكلةَ التقديرية. وهذا المعنى ينحو إلى تفصيل كلام مجمل نُقل عن ابن عباس، وهو تفسيرٌ بعيدٌ جدَّ البعد. (١)

وذهب ابنُ عطية إلى أن صيغة التفاعل هنا غيرُ مستعملةٍ في معناها الأصلي، وهو الدلالة على وقوع الفعل من جانبين فأكثر، بل هنا لحصول الفعل من جانب واحد للمبالغة مثل التواضع والتمايل، فيكون المعنى: ذلك يوم الغبن، أي: يوم غبن الكافرين. (٢) وهو ينحو إلى تفصيل كلام نُقِل عن مجاهد في تفسير الآية (٣) هو أقرب إلى الاستعمال وأبعد عن التعسف، ولكنه لا يشفي الغليل؛ لأن الأشقياء والكفار لم يغبنوا فيما لقوه، بل أخذوا حقَّهم من العذاب فلم يحصل معنى أصل الغبن، فضلًا عن المبالغة فيه المستفادة من مادة التفاعل التي لا يحسن ادعاؤها إلا إذا كان أصلُ الفعل واقعًا. فهذا التفسير، وإن خرج من ورطة عدم صحة التفاعل، لم يخرج من ورطة عدم وجود أصل مادة الغبن.


(١) قال الزمخشري: "والتغابن مستعار من تغابن القوم في التجارة؛ وهو أن يغبن بعضُهم بعضًا، لنزول السعداء منازل الأشقياء التىِ كانوا ينزلونها لو كانوا سعداء، ونزول الأشقياء منازل السعداء التي كانوا ينزلونها لو كانوا أشقياء. وفيه تهكم بالأشقياء؛ لأن نزولهم ليس بغبن". الزمخشري: الكشاف، ج ٤، ص ٥٣٦؛ الرازي: التفسير الكبير، ج ١٥/ ٣٠، ص ٢٣؛ البيضاوي، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله أبو عمر محمد الشيرازي: أنوار التنزيل وأسرار التأويل وبهامشه حاشية الكازروني، تحقيق عبد القادر عرفان العشا حسونة (بيروت: دار الفكر، ١٤١٦/ ١٩٩٦)، ج ٥، ص ٣٤٦. والكلام المجمل الذي ذكر المصنف أن ابن عباس فسر به معنى التغابن هو ما أورده الرازي (ص ٣٢) أن ابن عباس قال: "إن قومًا في النار يعذبون، وقومًا في الجنة يتنعمون".
(٢) ابن عطية: المحرر الوجيز، ج ٥، ص ٣١٩.
(٣) قال مجاهد: "هو غُبْنُ أهلِ الجنة أهلَ النار". الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير: جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري)، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي بالتعاون مع عبد السند حسن يمامة (القاهرة: هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، ط ١، ١٤٢٢/ ٢٠٠١)، ج ٢٣، ص ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>