للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختار أيسرَهُما ما لم يكن إثمًا". (١)

وشواهدُ ذلك في سائر تصرفاته - صلى الله عليه وسلم -، ومن ذلك أنه لمَّا شُج وجهُه الشريف يومَ أحد شقَّ ذلك على أصحابه فقالوا لو دعوت عليهم فقال: "إنِّي لم أُبعث لَعَّانًا، وإنما بُعثت رحمة(٢) وما في الحديث الصحيح في غزوة ذات الرقاع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان نائمًا في القائلة تحت شجرة وسيفه معلق بها، فانتبه فوجد أعرابيًّا مشركًا اسمه غورث بن الحارث قائمًا عند رأسه والسيف مصلت في يده، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ يمنعك مني؟ فقال: الله، فسقط السيفُ من يد الأعرابي، فأخذه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال للأعرابي: "من يمنعك مني؟ " فقال: كن خير آخذ، فتركه وعفا عنه. (٣)

وقد ثبت بمتواتر الأخبار رحمةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحلمُه في وقائع جمة مروية في كتب الصحيح والسيرة برواية جمع من الصحابة، مثل عمر وعلي وعائشة وأنس بن مالك وزيد بن أرقم وجابر بن عبد الله وعبد الله بن سلام وعبد الله بن عمرو بن العاص وأُنيس الغفاري وهند بن أبي هالة وجرير بن عبد الله البجلي وأبي سعيد


(١) رواه في الموطأ. - المصنف. هذان جزءان من حديث واحد في الموطأ برواية أبي مصعب الزهري وابن القاسم وسويد بن سعيد، ولفظه: "ما خُيِّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين بين أمرين إلا أخذ (وفي رواية: أحب) أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثْمًا كان أبعدَ الناس منه. وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه، إلا أن تُنتهَكَ حُرمةُ الله عز وجل (وفي رواية: حرمةٌ هي لله) فينتقم لله بها". الموطأ برواياته الثمانية، "كتاب حسن الخلق"، الحديث ١٧٨٢، ج ٤، ص ٢٩٠. وانظره كذلك في: الجوهري، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد: مسند الموطأ، تحقيق لطفي بن محمد الصغير وطه بن علي بوسريح (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ١٩٩٧)، الحديث ١٦٧، ص ١٦٤ - ١٦٥. وقد خرجه البخاري بلفظ مختلف قليلًا، صحيح البخاري، "كتاب المناقب"، الحديث ٣٥٦٠، ص ٥٩٧؛ "كتاب الحدود"، الحديث ٦٧٨٦، ص ١١٧٠.
(٢) رواه مسلم. - المصنف. صحيح مسلم، "كتاب البر والصلة والآداب"، الحديث ٢٥٩٩، ص ١٠٠٤.
(٣) انظر تفاصيل هذه القصة في الحاكم النيسابوري: المستدرك، "كتاب المغازي والسرايا"، الحديث ٤٣٨١، ج ٣، ص ٣٤. قال الحاكم: "هذا حديثٌ حسن على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

<<  <  ج: ص:  >  >>