للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخدري وزيد بن سعنة. (١) وأعظم مظهر لرحمته - صلى الله عليه وسلم - قوله: "لكل نبي دعوة مستجابة، وقد اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة". (٢) ولذلك خصه الله بالشفاعة في الخلق في عرصات القيامة تلك الشفاعة التي لم يقدم عليها من سئلها من المرسلين عليهم الصلاة والسلام، كما ورد في حديث الشفاعة الصحيح. (٣)

[٢ - المقام الثاني: ] والآن وقد أتينا بلمحة دالة على مظهر الرحمة بما هي خلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنحن نبين إلى جانب ذلك مظهرَ الرحمة في المقام الثاني. وهو مقام التشريع الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي ما فيه من مقوماتِ الرحمة العامة، فنعود إلى قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (١٠٧)} [الأنبياء: ١٠٧].

فنجد قوله: "للعالمين" متعلِّقًا بقوله: "رحمة" لا محالة، وأن كلمة العالمين جمع يشمل كلَّ ما يصدق عليه اسم العالم بسبب ما دلت عليه لامُ التعريف من الاستغراق، أي عموم جميع الأنواع التي يصدق عليها اسم العالم، وأن إبراز ذلك الاسم المعرَّف باللام في صيغة الجمع قرينةٌ على أن التعريف باللام تعريفُ استغراق، وأن المراد هو العالَم بمعنى النوع من أنواع المخلوقات أو من أنواع


(١) كان زيد بن سعنة - ويقال سعية - أحد أحبار اليهود، ومن أكثرهم مالًا. أسلم وحسن إسلامه، وشهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مشاهد كثيرة. توفي في غزوة تبوك مقبلًا إلى المدينة.
(٢) بقريب من هذا اللفظ أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لكل نبي دعوة مستجابة، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة". مسند الإمام أحمد بن حنبل، الحديث ٧٧٠٠، ج ٣، ص ١٢٧. وله عدة روايات مختلفة الألفاظ عند غيره. انظر مثلًا: صحيح البخاري، "كتاب الدعوات"، الحديث ٦٣٠٤، ص ١٠٩٦؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث ١٩٩، ص ٩٩.
(٣) وهو قوله عليه السلام: "أُعْطِيتُ خمسًا لم يعطهن أحدٌ قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مسجدًا وطهورًا، وأُحِلت لِيَ الغنائم، وأُعطيتُ الشفاعةَ، وكان النبيُّ يُبعثُ إلى قومه خاصة وبُعِثْتُ إلى الناس عامة". "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي". صحيح البخاري، "كتاب التيمم"، الحديث ٣٣٥، ص ٥٨؛ "كتاب المساجد"، الحديث ٤٣٨، ص ٧٦؛ صحيح مسلم، "كتاب المساجد ومواضع الصلاة"، الحديث ٥٢١، ص ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>