للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جهة الإعجاز الأولَى، وقد شهد أعلم العرب بالشعر بأن القرآن ليس في شيء من الشعر. وجعل الرسولَ أُمِّيًّا لتقوم الحجة بأميته على أن ما حواه القرآن من العلوم والحكمة والقوانين التشريعية ما هو إلا وحيٌ من الله، ويلتحق بالقرآن في هذه الجهة من الإعجاز كلُّ ما صدر عن رسول الله من قول وفعل مما هو هدى محض. فتم بالأمية دليلُ خرق القرآن للعادة من جهة الإعجاز الثانية.

ومن أجل كون الإعجاز الحاصل بالقرآن حاصلًا معظمه للعرب، كان التحدي بإعجازه من الجهة الأولى أكثر وأسير، وإلا ففي القرآن إعجاز معنوي كثير وفي كل أقوال الرسول وهديه إعجاز عظيم بعد تقرر الأمية.

لو شاء المحتج لصدق نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يقتصر على حجة دلالة معجزة الأمية لكفته. ولذلك لم يهمل المعاندون من المشركين أن يطعنوا في معجزة القرآن فاختلقوا معاذير باردة فقالوا إن ما جاء به من القرآن إنما تلقاه من بعض الناس، حكى الله ذلك عنهم بقوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)} [النحل: ١٠٣].

ذلك أنهم قالوا: إنه تلقى عن غلام رومي اسمه يعيش، وقيل: بلعام، وقيل: جبر، وقيل: يسار كان عبدًا لحويطب بن عبد العزيز، وكان صيقلًا للسيوف بمكة، وكان رسول الله يجلس إليه بمكة والناس معه وهو أعجمي اللسان غير معدود من أهل العلم، ولكن الناس مولعون بكل غريب. وقالوا: إن الرسول تلقى من سلمان الفارسي، وسلمان إنما ورد بعد الهجرة وأسلم في المدينة بعد أن نزل كثير من القرآن. فأما الغلام الرومي فقد أسلم بمكة، وكان يتلقى الدين عن رسول الله، وسلمان أسلم بالمدينة واهتدى بهدى الإسلام، ولو كانا كما يختلق الملحدون لكانا أولى أن يكونا هما القدوة للناس. (١)


(١) راجع تفاصيل تلك المخاريق فيما جاء في مناسبة نزول الآية في كتب التفسير وكتب أسباب النزول.

<<  <  ج: ص:  >  >>