للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن كلا الرجلين أعجمي، والقرآن كتابٌ عربي مبين. فالطعنُ بهما من الجهة الأولى لإعجاز القرآن طعن واضح السخافة، إذ كيف يأتي رجل دخيل في العربية بمثل تلك البلاغة؟ والطعن بهما من جهة معاني القرآن وعلومه طعن باطل، إذ كيف يبين أعجميُّ اللسان من العلوم والشرائع مثل ما تضمنه القرآن وهي معان عالية تحتاج إلى فصاحة تقرير كشأن تقرير المعاني الدقيقة، فقوله تعالى: {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ} [النحل: ١٠٣]، ردٌّ للطعن بحذافره لا لخصوص الطعن من جهة فصاحة القرآن وبلاغته، وإن اقتصر المفسرون على تفسيره بما يقصره على الطعن طعنهم من جهة لفظ القرآن خاصة. وأما قوله تعالى عقب ذلك: {وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)}، فهو ارتقاء في بيان علو القرآن في ذروة الفصاحة والبلاغة واقع موقع العِلاوة السابق، والله أعلم.

وقالوا في معاذيرهم: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٥)} [الفرقان: ٥]، وقد رد الله ذلك عليهم بقوله في أخرى: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا} [هود: ٤٩]. فيؤخذ منه نفيُ أن تكون أساطيرُ الأولين محفوظةً بمكة، إذ لو كانت كذلك لكان لرسول الله شريكٌ في علمها، ولكان لرسول الله سابقيةُ إلمامٍ ببعضها من قبل، فلذلك كان قولُه تعالى: {مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا}، حجتَنا لاختلاقهم (١) من جذوره. وقال الله تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٦)} [يونس: ١٦]، فقد ظهرت الحجةُ ولاحت المحجة.

هذا واختلف علماء الإسلام في الأمية: أدائمةٌ هي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدةَ حياته كلها أو في أحيان منها؟ فالجمهور من العلماء قالوا: إن الأمية وصفٌ لا يتخلف عن


(١) كذا في المطبوع، ولم نتمكن من مقابلته بالأصل (ولا نعلم إن كان ما يزال محفوظًا). ويبدو في الكلام سقط بمقدار كلمة، ولعله يستقيم هكذا: "لنزع (أو لنسف) اختلاقهم من جذوره".

<<  <  ج: ص:  >  >>