الأمة، أو الظهور في مظهر قلة الكفاءة للقيام بأعباء الخلافة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كل بحسب دائرة تصرفه فيما وكل إليه من مصالح المسلمين.
والوعاظ المرشدون يهيئون للدخول إلى مداخل القلوب أفصحَ الأقوال وأقربها إلى فهم العامة من الموعظة الحسنة. وسائر أفراد الأمة ممن يعلم ذلك يَزِنُون أحوالَ معاملتهم في جماعاتهم بميزان ما حدده لهم الشرع، خشيةَ أن يضلوا في مزالق تفرق كلمة الأمة، فيكونوا ممن أراد الرسولُ التحذيرَ منهم، ويبعثهم على الاستشهاد من أهل العلم فيما يُشكل عليهم وجهُ الْمخلَص منه.
فترى أيها اللبيب كيف يكون التفكُّرُ في تلك الساعة الرهيبة التي بدا فيها عزمُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كتابة الكتاب وإعراضُه بعد ذلك عنها، دافعًا عظيمًا لقادة الأمة إلى التألب على جلب مصالحها ودرء مفاسدها، وإن اختلفت مناحي قيادتهم، ومظاهر نصيحتهم، وللأمة نفسها بحسب مبالغ علمها في معاملتها، وفي الالتفاف حول علمائها وقادتها.
واستبان لك أنه يحصل من الإيماء إلى أهمية الكتاب الذي يعصم من الضلال، ومن الإعراض عن كتابته، نفسُ الحكمة الحاصلة من عدم تعيين ليلة القدر، وساعة الإجابة يوم الجمعة، والصلاة الوسطى.
ثم إنك تجد نفسَك قد أفضت إلى مرتبة أخرى من العلم، وهو أن كانت وصيةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين عزم على إثباتها ثم أعرض عنها، مناسِبَةً لعظمة شأنه، وعلوِّ مقداره، وعموم شريعته ودوامها، وهو أن كانت حركةً في سكون، وبلاغةً في سكوت، وإطنابًا في إيجاز، ففاقت بذلك سائرَ وصايا الأنبياء والحكماء، وناسبت عزةَ عنت الأمة عليه، وحرصه عليها، ورأفته ورحمتَه بها. ونجدك الآن قد اندفعت عنك الوجوه: الأول والثاني والرابع والخامس من الإشكال.
فأما قول الرسول - عليه السلام -: "أكتب لكم كتابًا"، فيجوز أن يكون إسناد الكتابة إليه مجازًا عقليًّا، أي آمر مَنْ يكتب لكم ما أقوله. ويجوز أن يكون الإسناد حقيقيًّا