فوصفُ دين الإسلام بأنه فطرةُ الله معناه أن أصولَ الاعتقاد جاريةٌ على مقتضى الفطرة العقلية، وأن تشريعَه جارٍ على وَفق ما يدرك العقلُ فائدتَه، ويشهد بصلاحه، وأن النواهي والزواجر وقوانين المعاملات جاريةٌ على ما تشهد به الفطرة؛ لأن طلب صلاح المجتمع محبوب في الفطرة.
[ومعنى وصف الإسلام بأنه "فطرة الله" أن الأصول التي جاء بها الإسلام هي من الفطرة. ثم تتبعها أصول وفروع هي من الفضائل الذائعة المقبولة، فجاء بها الإسلام وحرض عليها؛ إذ هي من العادات الصالحة المتأصلة في البشر، والناشئة عن مقاصد من الخير سالمة من الضرر، فهي راجعة إلى أصول الفطرة، وإن كانت لو تُركت الفطرةُ وشأنها لما شهدت بها ولا بضدها. فلما حصلت اختارتها الفطرة، ولذلك استقرت عند الفطرة واستحسنتها.
مثال ذلك الحياء والوقاحة، فإنهما إذا لم يخرجا إلى حد الاستعمال في الإضرار كانا سواء في شهادة الفطرة. وقد كان بعض الحكماء معروفًا بالوقاحة والسلاطة، مثل الحكيم ديوجينوس اليوناني. ولكنا نجد الحياء محبوبًا للناس، فصار من العادات الصالحة، وصلح لأن تنشأ عنه منافع جمة في صلاح الذات وإصلاح العموم. فلذلك كان من شعار الإسلام؛ ففي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ برجل من الأنصار يعظ أخاه في الحياء (أي: ينهاه عما تلبس به من الحياء)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعه، فإن الحياء من الإيمان". (١) فلم تسلم حكمة أصحاب الشدة والغلظة من نفور الناس عنها وعنهم، وقد قال تعالى:{وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران: ١٥٩].
(١) الإمام مالك بن أنس: الموطأ برواياته الثمانية، تحقيق أبي أسامة سليم بن عيد الهلالي السلفي (دبي: مجموعة الفرقان التجارية، ١٤٢٤/ ٢٠٠٣)، "كتاب الجامع"، الحديث ١٧٩١، ج ٤، ص ٢٩٩ (من رواية أبي مصعب الزهري وسويد بن سعيد، وخرجه ابن وهب في جامعه، قال: أخبرني مالك بن أنس به)؛ صحيح البخاري، "كتاب الأدب"، الحديث ٦١١٨، ص ١٠٦٦؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث ٥٩، ص ٣٩ (بدون لفظ: دعه).