للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاعتقاد فيها على مراعاة الفطرة، ولم يطرد ذلك في شرائعها الفرعية. وهذا ما أفاده قولُه تعالى: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: ٣٠]؛ لأن الله جعله خاتمة الأديان وجعله باقيًا في جميع العصور وصالِحًا بجميع الأمم، فجعله مساوقًا للفطرة البشرية ليكون صالِحًا للناس كافة، وللعصور عامة. وفي قوله: {الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠]، بيانٌ لوجه الإضافة في وصفه بفطرة الله، وتصريحٌ بأن الله خلق الإنسان سليم العقل مما ينافي الفطرةَ من العقائد الضالة والعوائد الذميمة، وأن ما يدخل عليها من ذلك ما هو إلا من جراء التلقي الضال والتعود الذميم.

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يولد الولد على الفطرة، ثم يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه". (١) روى مسلم في صحيحه عن عياض المجاشعي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيما يرويه عن ربه: "وإنِّي خلقت عبادي حنفاء كلَّهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجْتالَتْهم عن دينهم، وحرَّمتْ عليهم ما أَحلَلْتُ لهم، وأَمَرَتْهم أنْ يشركوا بي ما لم أُنزِل به سلطانًا". (٢) لهذا كان قوله: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: ٣٠]،


(١) لم أجده بهذا اللفظ، وإنما جاء عند البخاري وغيره عن أبي هريرة: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، وينصِّرانه، إلخ"، صحيح البخاري، "كتاب الجنائز"، الحديثان ١٣٥٨ - ١٣٥٩، ص ٢١٧ والحديث ١٣٨٥، ص ٢٢٢؛ "كتاب التفسير"، الحديث ٤٧٧٥، ص ٨٣٩؛ "كتاب القدر"، الحديث ٦٥٩٩، ص ١١٤١؛ صحيح مسلم، "كتاب القدر"، الحديث ٢٦٥٨، ص ١٠٢٤؛ الموطأ، "كتاب الجنائز"، الحديث ٦٢٤، ج ٢، ص ٢٢٢ - ٢٢٣. وجاء عند مالك بلفظ: "كل مولود". هذا وللحديث بقية وعدة روايات أخرى متقاربة الألفاظ، ليس هنا مقام استقصائها.
(٢) جزء من حديث عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن عياض بن حِمار المجاشعي، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم في خطبته: "ألا إن ربِّي أمرنِي أن أعلِّمَكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا. كلُّ مال نحلته عبدًا حلال. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا. وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتليَ بك، وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظان. وإن الله أمرنِي أن أُحرّقَ قريشًا، فقلت: رب، إذًا يثْلَغُوا رأسي فيَدَعُوهُ خبزة، قال: استَخْرجْهُمْ كما استَخْرجوك، واغْزُهُمْ نُغزك، =

<<  <  ج: ص:  >  >>