للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُقَرَّرًا لكون هذا الدين فطرةَ الله، أي: لا تبديلَ في أحكامه لِمَا خلق الله الناس عليه.

وقد حصل من مجموع هذه الوصاة والصفات التي تضمنتها الآية إيذانٌ بفضل هذا الدين ومزيته على سائر الأديان الحقة الماضية بطريقة الكناية العرضية، فكان من مزيد العناية بتشريفه إفادةُ هذا التفضيل بصريح المقال فذيل الكلام بقوله: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}. فلاسم الإشارة وقعُه البليغ من الإشعار بتعظيم المشار إليه؛ إذ جعل بمرتبة البعيد بُعد رِفعةٍ وعلو، على حد [قوله تعالى: ] {ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة: ٢]، والمعنى هو الدين القيم.

و"القيِّم" وصفٌ على صيغة فيعل، وهي أشد مبالغة من صيغة فَعَل، مثل هيِّن وليّن. فيفيد قوةَ معنى الوصف فيه وهو القيام، أعني القيام المجازي الذي هو ضد الاعوجاج، يقال: عود مستقيم وقيم. فوصف الدين بالقيم هنا استعارةٌ بتشبيه الدين بالعود المستقيم في انتفاء العيب عنه والخطأ، تشبيهًا للمعنى المعقول بالشيء المحسوس.

وموقعُ الاستدراك بـ {أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٣٠)} [الروم: ٣٠] تبيينُ أن إعراضَ أكثر الناس عن هذا الدين، ليس لكون الأديان الأخرى أرجحَ منه في صلاح الناس، ولأجل شدةٍ أو إرهاقٍ في تشريعاته، بل لأن المعرضين عنه لا علمَ عندهم، فأزال هذا الاستدراكُ ما قد يتوهمه مَنْ تغرُّه كثرةُ المنصرفين عنه فيخالهم انصرفوا عنه على بصيرةٍ في أحواله وتدبُّرٍ في مراميه. والمراد بأكثر الناس المشركون وغيرهم مِمَّن يُدعون إلى الإسلام فيعرضون عن قبوله.


= وأَنْفقْ فَسَنُنْفق عليك، وابعثْ جيشًا نَبعَثْ خمسةً مثلَه، وقاتل بِمَنْ أطاعك مَنْ عصاك. قال: وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مُقْسطٌ مُتَصدّقٌ مُوَفَّق، ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلب لكل ذي قُرْبَى ومسلم، وعفيفٌ مُتَعَففٌ ذو عيال. قال: وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْرَ له، الذين هم فيكم تبعًا لا يبتغونَ أهلًا ولا مالًا، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دقَّ إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك". صحيح مسلم، "كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها"، الحديث ٢٨٦٥، ص ١٠٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>