فكان لشيوع دعوته - صلى الله عليه وسلم - في بلاد العالم أثران: الأول: أنها سهلت لكثير من الأمم الدخولَ في دين الإسلام أو في حكمه، بما شاهدوا من آثار محامد سياسته لرعاياه مع عدم التشويش على أهل الأديان في عقائدهم، فتمكنوا بذلك خير تمكن من مخالطة المسلمين في معظم شؤون الحياة مخالطةً خولت لهم مزيد الاطلاع على محاسن الإسلام وتربية أهله، وربما كان ذلك هو السبب في إسلام كثير من المتدينين مثل نصارى نجران وتغلب وقضاعة وغسان، ومثل يهود اليمن، ومثل مجوس الفرس والبربر، ومثل نصارى القبط والجلالقة والبربر، ومن لم يدخل منهم في دين الإسلام سهل عليه الدخول في ذمته.
الأثر الثاني: كان من تناقل تلك الحوادث ومن تمازج الفرق من الأمة الواحدة، أو من تمازج الأمم، سمعةٌ حسنة للإسلام ومعاملته؛ فكان لتلك السمعة أثرٌ جليل في بقية الممالك التي بقيت خارجةً عن حكم الإسلام.
ومن أمثلة ذلك ما تقدم من كلام زُهرة بن حَويّة، وما جرى بين يدي النجاشي من كلامٍ أفصح به جعفر بن أبي طالب عن حقيقة الإسلام، ومن جملة ما قاله:"إنا كنا قبل الإسلام يأكل القويُّ الضعيف". (١) ومعناه فقد الحرية والمساواة، فصمّم النجاشي على حماية المهاجرين من المسلمين وردّ سفراء مشركي قريش الذين جاؤوا طالبين تسليمهم إليهم.
فاقتبست الأممُ من أسلوب الإسلام أساليب جديدة في سياسة ممالكهم أفضت إلى تخفيف وطأة الاستبداد، وإلى حصول خير كثير للبشر، وشكلًا جديدًا
(١) ولفظ كلام جعفر - رضي الله عنه -: "أيها الملك، كنا قومًا أهلَ جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتِي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منا الضعيف. فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه. . ." ابن هشام: السيرة النبوية، ج ١/ ١، ص ٢٦٥.