للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لذاته لا لشيء آخر، ولا يُؤْثِر شيئًا على عرفانه(١) و"العارف شجاعٌ جواد، صفّاح عن الذنوب، نسّاء للأحقاد". (٢)

وإن أصحاب رسول الله وبطانته هم أولئك المهاجرون الذين نبذوا الشرك وآثاره كلَّها عن محض اختيار، ومحبة للخير، وتخلَّقوا من أجل ذلك بأخلاق الإسلام، وخاصة الأنصار وأعيانهم الذين رغبوا في الإسلام لما دعاهم إليه رسول الله يومي العقبتين؛ (٣) فلم يترددوا في قبوله، على ما هم عليه يومئذ من كثرة ومنعة. فكانوا لاحقين بالمهاجرين في إقبالهم على الحق ونبذ الضلال، وكان سادتهم وأهل الرأي منهم ملازمين لرسول الله؛ للاقتباس منه وتنفيذ أوامره.

ثم إن الرسول آخى بين المهاجرين وبين زهاء خمسين من الأنصار بقدر المهاجرين، ليحصل من تلك المؤاخاة تماثلٌ في الأخلاق والفضائل، وقد حكى القرآن حالهم الجامعة للفضائل، ونبذ الرذائل بقوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: ٢٩]. وفي الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خير القرون قرني"، (٤) وهم أصحابه الذين رأوه وآمنوا به؛ لأن شرف ذلك القرن إنما كان به وبهم؛ إذ كان آخرَهم وفاةً أنس بن


(١) ابن سينا: الإشارات والتنبيهات، القسم الرابع، ص ٦٨.
(٢) أورد المصنف كلام ابن سينا بتصرف واختصار، ولفظه: "العارف شجاعٌ، وكيف لا وهو بمعزل عن تقية الموت؟ وجواد، وكيف لا وهو بمعزل عن محبة الباطل؟ وصفاح للذنوب، وكيف لا ونفسُه أكبرُ من أن تجرحها ذات بشر؟ ونسَّاءٌ للأحقاد، وكيف لا وذكره مشغول بالحق؟ " المرجع نفسه، ص ١٠٦.
(٣) أي بيعتي العقبة الأولى والثانية.
(٤) لم أجده بهذا اللفظ تحديدًا، على كثرة شيوعه على الألسنة، وإنها جاء بألفاظ مثل "خيركم قرني" و"خير الناس قرني"، و"خير أمتي قرني". انظر صحيح البخاري، "كتاب الشهادات"، الحديثان ٢٦٥١ - ٢٦٥٢، ص ٤٢٩؛ "كتاب فضائل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -"، الحديثان ٣٦٥٠ - ٣٦٥١، ص ٦١٢؛ "كتاب الرقائق"، الحديثان ٦٤٢٨ - ٦٤٢٩، ص ١١١٦؛ "كتاب الأيمان والنذور"، الحديث ٦٦٩٥، ص ١١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>