للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالك وسهل بن سعد الساعدي، تُوُفيا في أوائل العشرة الأخيرة من القرن الأول من الهجرة.

وأما عامة أهل المدينة فهم المؤمنون السابقون بعد المهاجرين، كما وصفهم الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: ١٠٠]. وهم أصحاب رسول الله الذين سكن بين ظهرانيهم، وتملَّوا من طلعته المباركة كل يوم، وشهدوا هديه، وأشرقت عليهم أنواره. ففيهم أشرقت الشريعة؛ فصلح اعتقادهم، وصلح عملهم، وصلح خُلُقُهم، ولم يزل رسول الله يبين لهم المكارم، ويحذرهم المآثم، حتى أصبحوا خيرة أهل الأرض. في الصحيح عن عبادة بن الصامت أنه قال: "بايَعْنا رسولَ الله على السمع والطاعة في [العسر واليسر]، والمنشط والمكره، [وعلى أثرة علينا، وعلى] أن لا نُنازعَ الأمرَ أهلَه. وأن نقوم بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم". (١) فاستملوا صحةَ الإيمان، وفضل العمل، وحسن الخلق، ومحبة العدل.

يحق لأهل المدينة أن يكونوا أهلَ بأس شديد على أعدائهم، وأن يكونوا فضلاء. أما شدتهم على أعدائهم فلأنهم جند المدينة يدفعون عنها، وذلك وصفٌ تُحْفَظ به المدينة من تَطَرُّقِ أهل الفساد إليها، فإذا تطرقوها أفسدوا بهجتها، كما قال تعالى: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} [النمل: ٣٤]، تريد ما هو معهودٌ من ملوك الجور. وهذه الشدة أساسُها الشجاعة، وقد عُرف أهلُ المدينة بالشجاعة والبأس، كما خلدت لهم حرب بعاث (٢) أجملَ الذكر في الشجاعة.


(١) صحيح مسلم، "كتاب الإمارة"، الحديث ١٧٠٩، ص ٧٣٨. وما بين المعقوفتين لم يورده المصنف.
(٢) كانت بين الأوس والخزرج معارك عديدة، بدأت بحرب سمير وانتهت بحرب بعاث قبل الهجرة بخمس سنين. وما بين هاتين الحربين نشبت أكثرُ من عشر حروب، وكان لليهود أثرٌ في إثارتها وإذكائها. وأهم تلك الحروب والوقائع حرب سمير، وحرب حاطب، ووقعة جحجبا، وموقعة السرارة، وموقعة الحصين بن الأسلت، وموقعة فارع، ويوم الربيع، وموقعتَيْ الفجار الأولى والثانية، وموقعة معبس ومضرس. وكان آخرها وأشدها حرب بُعاث، وقد استعد لها كلٌّ من الأوس والخزرج أكثر من شهرين بسبب الأحقاد المتراكمة عبر السنين. وتحالف الأوس مع =

<<  <  ج: ص:  >  >>