للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دلالتهما، وإن كان أحدهما - أي الظاهر - يتطرقه احتمال ضعيف. والمجمل والمؤوَّل هما من المتشابه لاشتراكهما في خفاء الدلالة، وإن كان أحدُهما - أي: المؤوَّل - دالًّا على معنى مرجوحٍ يقابله معنى راجح، والمجمل دالًّا على مرجوحٍ يقابله معنى مرجوحٌ آخر. ونُسبت هذه الطريقةُ إلى الشافعية. (١)

قال الشاطبي: "فالتشابه حقيقيٌّ وإضافي، فالحقيقيُّ ما لا سبيلَ إلى فهم معناه، وهو المرادُ من الآية، والإضافِيُّ ما اشتبه معناه لاحتياجه إلى مراعاة دليل آخر، فإذا تقصَّى المجتهدُ أدلةَ الشريعة وجد فيها ما يبين معناه. والتشابه بالمعنى الحقيقي قليلٌ جدًّا في الشريعة، وبالمعنى الإضافي كثير". (٢)

وقد دلت هذه الآيةُ على أن من القرآن محكمًا ومتشابِهًا، ودلت آياتٌ أُخر على أن القرآن كلَّه محكم، قال تعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود: ١]، وقال: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (٢)} [لقمان: ٢]، والمرادُ أنه أحكم وأُتقن في بلاغته وفصاحته. كما دلت آياتٌ على أن القرآن كلَّه متشابه، قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر: ٢٣]، والمعنى أنه تشابه بين الحسن والبلاغة والحقيقة، وذلك معنى قوله: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} [النساء: ٨٢]. فلا تعارضَ بين هذه الآيات، لاختلاف المراد بالإحكام والتشابه.


= وآياتٌ أخرُ هن متشابهاتٌ في التلاوة مختلفاتٌ في المعاني". الطبري: جامع البيان، ج ٥، ص ١٨٨ - ١٨٩. وهذا في الحقيقة رأي أبي الحسن الأشعري الذي كان يقول "إن الكتاب على نوعين: محكم ومتشابه، ويُعلَم معنى المتشابه بالرد إلى المحكم. والمحكم هو الذي أُبِينَ معناه بظاهر لفظه حتى كان تأويله تنزيله. والمتشابه ما اشتبه لفظُه ومعناه واحتمل وجوهًا مختلفة، واشتركت فيها معان متباينة يترجح بعضُها على بعض بالنظر والاستدلال". ابن فورك: مجرد مقالات الأشعري، ص ١٩٠ - ١٩١.
(١) الخفاجي: عناية القاضي وكفاية الراضي، ج ٣، ص ٥.
(٢) أورد المصنف كلام الشاطبي باختصار وتصرف شديد فراجعه في الموافقات، ج ٢، ص ٨٤ - ٨٦. وانظر كلامه على الإحكام والتشابه وكيفية تأويل المتشابه في ص ٨٧ - ٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>