للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك لم يصح نذرُ ضحية في يوم آخر. وكذلك كره التثويب، (١) وكره العتيرة - وهي الذبح عن الميت في غير يوم الأضحى - ولم يكره الهدي عن الميت، وأجاز إسحاق بن راهويه التثويب. (٢)

وفي التوضيح على مختصر ابن الحاجب عند قول ابن الحاجب: "وكذلك (أي مستحَبٌّ غير مكروه) قراءةُ شيءٍ من القرآن عند رأسه (أي الميت) "، (٣) ما نصُّه: "والكراهةُ لمالك في رواية أشهب، [واحتج على ذلك بأن عمل السلف اتصل على ترك ذلك، ذكر ذلك صاحب البيان وغيره، وصاحب الرسالة، فقال: وأرخص بعضُ العلماء في القراءة عند رأسه بسورة يس، ولم يكن ذلك عند مالك أمرًا معمولًا به، انتهى. وهذا هو الظاهر، وفي حمل ابن حبيب نظر]، إذ ليس لنا أن نرتِّبَ الأسبابَ والمسبَّبات (أي بأن نجعل الاحتضار سببًا لاستحباب قراءة يس، قاله الناصر اللقاني في الحاشية على التوضيح). وما حدَّه الشرعُ وقفنا عنده، وما أطلقه ولم يَخُصَّه بسبب أطلقناه. وما تركه السلفُ تركناه، وإن كان أصلُه مشهودًا له بالمشروعية كهذه القراءة. وللشرع حكمةٌ في الفعل والترك، وفي تخصيص بعض الأحوال بالترك، كالنهي عن القراءة في الركوع والأمر بها في القيام. فتمسَّكْ بهذه


(١) التثويب من ثاب يثوب، إذا رجع. فهو بمعنى الرجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة، فإن المؤذن إذا قال: "حي على الصلاة"، فقد دعاهم إليها، فإذا قال: "الصلاة خير من النوم" فقد رجع إلى كلام معناه: المبادرة إليها. وفسّره بعضُ علماء اللغة بمعان منها: الدعاء إلى الصلاة، وتثنية الدعاء، وأن يقول في أذان الفجر "الصلاة خير من النوم" مرتين. ومن العلماء من ميز بين تثويب قديم، وهو قول المؤذن في صلاة الصبح: "الصلاة خير من النوم" مرتين، وتثويب محدَث وهو قوله: "الصلاة الصلاة" أو "قامت قامت". والظاهر أنه غلب استعمالُه بين أئمة الحديث في القول المذكور أثناء الأذان، وربما أطلق على مطلق الدعوة بعد الدعوة، فيعم ما إذا نادى المؤذن بعد تمام الأذان بالقول المذكور أيضًا أو بغيره مما يفيد الدعوة إليها بأي لفظ شاء.
(٢) انظر في ذلك: ابن رشد: البيان والتحصيل، "كتاب الصلاة الثالث"، ج ١، ص ٤٣٥ - ٤٣٦.
(٣) ابن الحاجب، أبو عمرو جمال الدين عثمان بن عمر بن أبي بكر: جامع الأمهات أو مختصر ابن الحاجب الفرعي (ومعه درر القلائد وغرر الطرر والفوائد لأبي عبد الله المقري)، تحقيق أبي الفضل بدر العمراني الطنجي (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤٢٥/ ٢٠٠٤)، ص ٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>