للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاعدة، فإنها دستور للتمسك بالسنة وقاعدة مالك". (١)

أقول: مُدرَكُ الخلاف بين مالك وأصحابه وبين من خالفهم هو النظر إلى أن سكوتَ الشريعة وتركها التعرض لحكم شيء هل يُعد موجِبًا لإمساكنا عنه مطلقًا أو أن السكوت لا حجةَ فيه لإقدام ولا إمساك؟ فيُرْجَع بالفعل إلى أصل نظائره من الأفعال، بخلاف ما نهي عنه مثل القراءة في الركوع والدعاء فيه.

أما مذهب ابن حبيب ومَنْ وافقه، فقد خالفوا مذهبَ إمامهم في القراءة على الميت، لِمَا رجح عندهم من الدليل الموجِبِ للخلاف من حيث إن القراءة في ذاتِها عبادة، فهي مشهودٌ لها بالاعتبار. (٢) وغايةُ ما في إيقاع القراءة عند الميت أنه تعيينُ حالةٍ تكون كالوقت للعبادة لمقصد حسن، وهو انتفاعُ الميت بثوابها. والشريعةُ مبنيةٌ على الرحمة، فرأوا أن لا مانعَ من تعيين وقت لها، ولذلك لم يخالفوه في كراهة التضحية عن الميت ونحوها.

وأما ضعيف التعلق بالديانات فهو ما ليس قربةً، ولا حقًّا للناس، ولا داخلًا في أحد هذين، ولكنه يتعلق بأمر هو من خصائص الإسلام، وذلك مثل محراب القبلة، وفرش المساجد بالبسط، وإعلاء المنبر، وتفخيم بناء المسجد دون تزويق، وخروج المؤذن بين يدي الإمام يوم الجمعة، وإطلاق المدفع إعلامًا بوقت الغروب في رمضان، وإقامة أعلام لبعض مواضع مناسك الحج كمواضع الجمرات الثلاث، ومثل إحداث نقط حروف المصحف وشكلها. وهذا النحو بالعادات أشبهُ منه بالعبادات؛ لأن مرجعه إلى تسهيل المكلَّف، ومعظم علماء الأمة على الرخصة فيه.


(١) المالكي: التوضيح، "كتاب الصلاة"، ج ٢، ص ١٢٢ - ١٢٣ (وما بين الحاصرتين لم يورده المصنف وجلبناه استكمالًا لمساق الكلام.
(٢) ابن رشد: البيان والتحصيل، "كتاب الصلاة الرابع"، ج ٢، ص ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>