للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اتخذ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - المصابيح في المسجد النبوي، فقال له علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "نور الله مضجعك (قبرك) يا ابن الخطاب كما نورت مسجدنا". (١) ووسع عثمان - رضي الله عنه - المسجد النبوي، وأدخل فيه بعضَ حجرات أمهات المؤمنين، ولم ينكره عليه أحدٌ من علماء الصحابة، وبنى علي - رضي الله عنه - السجن. ولا يخالف في هذا النحو إلا غلاةُ المتعمِّقين الذين يذمون كلَّ ما حدث ولو كان مصلحة، وأولئك ليسوا بأحرياء لتدبير أمور الأمة، وضررُهم اللاحق بالأمة أكثرُ من نفعهم.

وأما القسم الراجع إلى العادات، فهو إما راجع إلى عادات تتعلق بالمسلمين بوصف كونهم مسلمين، وهو ما يراد إيجاده في شؤونهم الإسلامية، فإن كان راجعًا إلى أصلٍ كلي من الشريعة بأن يكون جزئيًّا من جزئيات أصل شرعي، فحكمه كحكم أصله، ويكون إدخاله تحت أصله بطريقة تحقيق المناط، أي إثبات العلة في آحاد صورها أو إدخال الجزئيات تحت قاعدتها كجمع المصحف في زمن أبي بكر - رضي الله عنه -.

وكذلك ما حدث بعد هؤلاء الصحابة من أفعال المسلمين الجارية على المصلحة إلى عصرنا هذا، كجمع الحديث النبويّ في زمن عمر بن عبد العزيز، وتدريس العلوم في المساجد، وكذلك تأليف الجمعيات الخيرية لإغاثة المعوزين واتخاذ الملاجئ لتربية الأيتام. وهذا كله من البدع المحمودة الداخلة تحت حديث: "مَنْ سنَّ في الإسلام سنةً حسنة له أجرُها وأجرُ من عمل بها إلى يوم القيامة". (٢)


(١) أورد ذلك الآجري في روايتين بسياقين مختلفين (أحدهما الذي ذكره المصنف) بلفظ "قبرك" بدل "مضجعك". الآجري، أبو بكر محمد بن الحسين: الشريعة، تحقيق الوليد بن محمد بن نبيه سيف النصر (الجيزة: مؤسسة قرطبة، ط ١، ١٤١٦/ ١٩٩٦)، "باب اتباع علي - رضي الله عنه - في خلافته سنن أبى بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -"، الحديثان ١٢٩٨ و ١٣٠٠، ج ٣، ص ٢٦ - ٢٨.
(٢) كذا أورده المناوي أثناء شرحه حديث: "إذا مات الإنسان (وفي رواية: ابن آدم) انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، ولم يخرجه. فيض القدير، الحديث ٨٥٠، ج ١، ص ٤٣٧ - ٤٣٨. ومنها ما رواه جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير =

<<  <  ج: ص:  >  >>