للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان الأمر الحادث مشهودًا لأصله بالإلغاء شرعًا فهو كأصله، كابتداع التدخين بالحشيشة المخدرة وامتصاص الأفيون وانتشاق الكوكايين.

وأما الراجعُ إلى العادات المحضة التي لا نظرَ فيها إلى كون أهلها مسلمين أو غير مسلمين، فكلُّ ما حدث أو ظهر وجودُه بعد زمن النبوة في البلاد التي أسلم أهلُها من عوائد لم تكن معروفة في زمن الشارع حتَّى يُسألَ هو عنها. وهذا كاتخاذ المناخل عند العرب، ولبس البرانس للبربر، ولبس [الأثواب] الطويلة في بلاد الفرس. وكذلك ما أحدثه المسلمون، مثل لبس الطيالسة، ولبس الجوخ، واللباس النظامي للجنود ولأهل الدولة في معظم بلاد الإسلام، مثل بلاد الترك وبلاد الفرس ومصر وتونس من القرن الماضي الهجري. وكذلك عوائدُ الناس في حفلاتهم وأعراسهم ومآتِمهم مما ليس بمنهيٍّ عنه شرعًا. فقد بنى الصحابةُ القصور، واستفرهوا المراكب، واستجادوا الطعام واللباس.

وهذا النوع لا يُقْدمُ عالِمٌ على القول بالنهي عنه، إذ لم تجئ الشريعةُ لحمل الناس على لزوم حالة في حضارتهم وأحوالهم، ما دامت أحوالُهم داخلةً تحت قسم المأذون فيه شرعًا. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "أنتم أعلم بأمور دنياكم". (١)

ولم يزل المسلمون يتقلبون إلى أحوال لم يكونوا عليها في زمن النبوّة، ولم يروا في ذلك حرجًا، إلا أفرادًا شذوا منهم مثل أبي ذر - رضي الله عنه -، لم ير الصحابةُ تأييدَهم، وربما أنكروا عليهم.


= أن ينقص من أوزارهم شيئا". وقد أورده بهذا اللفظ ابن حجر حيث قال: "وقد أخرج مسلم من حديث جرير: "من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرُها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". فتح الباري، "كِتَاب الدِّيَاتِ"، ج ٣، ص ٣٠٤٦.
(١) صحيح مسلم، "كتاب الفضائل"، الحديث ٢٣٦٣، ص ٩٢٣. وانظر في تأصيل المصنف لهذا المعنى فصل "مقصد الشريعة من التشريع: تغيير وتقرير"، من كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية، ص ٣٤٠ - ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>