للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وينشأ من بين القسمين الأصليين قسمٌ وسط، وهو الأمور المحدثة التي لم يشهد الشرعُ باعتبارها ولا بعدمها، وأصلُها أن تكون مباحة، ولكن مقصد الآتين بها هو التقربُ إلى الله والطمع في الثواب مع صحة أسبابها. وهذا القسم منه ما هو في ذاته قربة، إلا أنه كان التقربُ به في مواضع أو أزمنة معينة، فيريد الناس إحداث التنفل بعشرين ركعة بعد العشاء في خصوص ليالي رمضان، ومثل قراءة فاتحة الكتاب عند الفراغ من صلاة الجنازة لإهداء ثوابها إلى الميت. فإن كانت أسبابُها غيرَ صحيحة كان فعلُها عبثًا كإحداث صلاة في يوم الأربعاء الأخير من شهر صفر لدفع البلاء الذي ينزل في صفر في اعتقاد المتطيرين أصحاب الأوهام. (١)

ومنه ما ليس أصله عبادة، وقد اختُرِع للتقرب به إلى الله بعلة إدخاله تحت كلية العبادة إدخالًا قريبًا أو بعيدًا، فالبعيد مثل إحداث لبس الصوف للزهاد لأنه أدخل في الزهد، والإدخال القريب مثل استقبال القبلة بالمحتضر تبركًا، تشبهًا باستقبال القبلة بوجه الميت حين قبره. وهذا القسم بصنفيه كان حقُّه الإباحة نوعًا أو وقتًا أو هيئة، لكنه لما أريدت به القربةُ بنوعه أو وقته أو هيئته صار غير مناسب للبقاء على الإباحة؛ لأنه إن غلب عليه جانبُ قصد القربة فهو جدير بالندب لأجل حسن القصد به. وإن الإقدام على اختراع شيء في العبادات بدون إذن من الشرع كان جديرًا بالالتحاق بالمكروه لما فيه من الزيادة على ما خلفه الشارع لنا، فلزم التفصيل.

ومن هنا قلت في الفتوى: "فتكون قراءة القرآن في تلك المواطن إما مكروهة، وإما مباحة غير سنة، فتكون مندوبة في جميعها إلخ"، (٢) فأردتُ من الإباحة ما قابل الكراهة، أي غير منهي عنها. وإذا كانت مباحة وكانت عبادة، لزم أن تخرج من الكراهة


(١) "لا طيرة ولا صفر"، "لا عدوى ولا صفر"، "ولا هامة ولا غول ولا طيرة ولا نوء"، انظر ما كتبه المصنف في ذلك في آخر القسم الثاني.
(٢) راجع النص الكامل للفتوى المشار إليها في هذا القسم، وهي بعنوان: "حكم قراءة القرآن على الجنازة".

<<  <  ج: ص:  >  >>