للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الندب، ولهذا لم يقل أحد من أصحابنا (١) بأن قراءة القرآن على الجنازة مباحة.

هذا وقد صرح عز الدين بن عبد السلام في قواعده بأن البدعة تعتريها الأحكامُ الخمسة وأجمَلَ الأمثلة، (٢) وفصل ذلك شهاب الدين القرافي في الفرق الثاني والخمسين والمائتين من كتاب "الفروق" بأن أقسام البدعة خمسة: منها واجب وهو ما تناولته أدلةُ الوجوب كتدوين القرآن والشرائع إذا خيف عليها الضياع؛ فإن التبليغ لِمَنْ بَعدنا من القرون واجبٌ إجماعًا. الثاني: محرم وهو ما تناولته أدلةُ التحريم كالمكوس والمظالم. الثالث: مندوب وهو ما تناولته قواعدُ الندب، كصلاة التراويح وإقامة صور الأئمة والقضاة على خلاف ما كان عليه أمر الصحابة، بسبب أن المصالح الشرعية لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس، وكان الناس في زمن الصحابة مُعظمُ تعظيمها إنما هو بالدين، ثم حدث قرنٌ لا يعظمون إلا بالصور. القسم الرابع: بدع مكروهة كتخصيص الأيام الفاضلة أو غيرها بنوع من العبادات، كالزيادة في المندوبات مثل الزيادة في التسبيح عقب الصلوات على ثلاثة وثلاثين، والزيادة في زكاة الفطر على الصاع. الخامس: البدع المباحة كاتخاذ المناخل للدقيق. فالبدعة إذا عُرضت على قواعد الشريعة وأدلتها، فأي شيء تناولها من الأدلة والقواعد أُلحقت به، وإن نُظر إليها من حيث الجملة بالنظر إلى كونها بدعة مع قطع النظر عما يتقاضاها كرهت. (٣)

وهو كلامٌ نفيس جارٍ على القواعد، وموافق لمذهب مالك. وقد سلمه ابن الشّاط وغيره. فمن العجب محاولة الشاطبي في كتاب "الاعتصام" أن ينقضَه بتطويل لا طائلَ تحته، ولا توافقه نصوصُ أئمة المذهب ولا مداركُه. وقد حاول أن


(١) يعني المالكية.
(٢) ابن عبد السلام: القواعد الكبرى، ج ٢، ص ٣٣٧ - ٣٣٩.
(٣) القرافي: كتاب الفروق، ج ٤، ص ١٣٣٣ - ١٣٣٥ (الفرق الثاني والخمسون والمائتان، وقد أورد المصنف كلامه باختصار).

<<  <  ج: ص:  >  >>