للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - إما الاعترافُ بأن بعض البدع داخلٌ تحت المأذون فيه من واجب ومندوب ومباح، أو تحت المنهيِّ عنه نهيًا غير جازم، وهو المكروه كما هو مقتضى اللغة، وكما ورد في كلام بعض السلف ومصطلح الجمهور الذي جرى عليه مالك وأصحابه، وأفصح عنه كلامُ ابن العربي والغزالي وعز الدين ابن عبد السلام والقرافي. وتلك غيرُ داخلة تحت عموم الأحاديث القائلة بأن "كل بدعة ضلالة"، فلزم تخصيصُ هذه الأحاديث.

٢ - وإما إباية ذلك بأن يدعيَ أن اسمَ البدعة لا يُطلق شرعًا إلا على المحدث في العبادة، ولا يُطلق على كلِّ محدث ولا على كل محدث يتعلق بالدين. فيلزمه أن يُخرِجَ من البدعة ما حدث من العقائد الضالة والمعاملات الباطلة، كالطلاق البدعي. فلا يحصل المقصودُ من بقاء حديث "كل بدعة ضلالة" على عمومه، ويلزمه القولُ بأن لفظَ البدعة صار من المنقولات الشرعية، والنقلُ خلافُ الأصل. والتخصيص أوْلَى من النقل، كما تقرر في الأصول. (١)


(١) معنى كون التخصيص أولى من النقل هو أن الشرع تصرف في اللفظ أو الاسم بأن خصه ببعض معانيه أو مسمياته التي له في وضع اللغة أو قصره عليها، لا أنه نقله إلى معنى أو مسمى جديد سواء أكان ذلك لوجود علاقة بين المعنى الأصلي والمعنى الجديد أو لم يكن، ومن ذلك الصلاة والحج والصوم وغيرها. وقد ذهب المعتزلة والخوارج وبعض الفقهاء والأصوليين إلى القول بجواز نقل الشارع ألفاظًا من معانيها اللغوية إلى معان شرعية نقلًا كليًّا بدون وجود علاقة بين الصنفين من المعاني، بحيث تكون المعاني الشرعية أمورًا جديدة مبتكرة. وإذا حصل وجود علاقة بين المعنى اللغوي المنقول منه اللفظ والمعنى المنقول إليه، فإن ذلك ليس مقصودًا وإنما هو مجرد اتفاق. وقد تصدى الباقلاني لرد هذا الرأي مستمسكًا بالقول بأنه لا نقل من أي نوع كان البتة، وأن الألفاظ في لسان الشرع باقية إلى أصل معناها اللغوي، وأن ما قد يحصل فيها من معنى زائد في بعض الأحيان إنما هو من قبيل الشروط، وأن لا تغير في ماهية اللفظ. أما جمهور الأصوليين فذهبوا إلى أن الشرع إنما تصرف في الألفاظ اللغوية كما يتصرف أهل العرف في استعمالهم ألفاظ اللغة بنقل بعضها عن معناه الموضوع له في الأصل إما عن طريق المجاز أو قصر اللفظ على بعض معناه، وهذا هو التخصيص. وقد توقف بعض الأصوليين فلم يقطعوا في المسألة برأي، وأبرزهم الآمدي. انظر في ذلك مثلًا: الباقلاني، القاضي أبو بكر محمد بن الطيب: التقريب والإرشاد =

<<  <  ج: ص:  >  >>