للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالك؟ قال: لا". (١) قال أبو الحسن في شرح المدونة: قال عبد الحق: "لأن ثوابَ القراءة للقارئ، ولا ينتفع به الميت، فلا معنى للقراءة عليه". (٢) وفي سماع أشهب من العتبية: "سئل مالك عن قراءة يس عند رأس الميت، فقال: ما سمعتُ بهذا، وما هو من عمل الناس". (٣)

أقول: فمُسْتَنَدُ الكراهة في قول مالك أمران: أحدُهما أن هذا لم يُؤثر في السنة، كما هو صريحُ رواية أشهب في العتبية. الثاني أن مالكًا لا يرى انتفاعَ الميت بقراءة الحي عليه أو له، ولا يرى صحةَ إهداء ثواب القراءة للميت كما يُؤْذِنُ به تعليلُ عبد الحق. وهذا أيضًا قولُ الشافعي. فرجعت القراءةُ على الميت عند مالك إلى أنها فعلٌ قُصِد به القربة، ولم يجعله الشارع قربة فيكون مكروها.

والمرادُ بالكراهة أنه يُثاب على تركه، ولا يُعاقب على فعله، كما هو المتبادر من الكراهة بالمعنى المصطلح عليه عند الفقهاء. وليس المرادُ بالكراهة الحرمة، كما توهمه الشاطبي في "كتاب الاعتصام" مستندًا إلى أن الإمام قد يعبر بالكراهة ويعني بها


(١) المدونة الكبرى، "كتاب الجنائز"، ج ١، ص ٢٦٧.
(٢) لم يتبين لي على وجه اليقين من المقصود بأبي الحسن الذي نقل عنه المصنف كلام عبد الحق. فلعله أبو الحسن نور الدين علي بن محمد المنوفي المصري الشاذلي، له عدة شروح على الرسالة وشرح على مختصر خليل (وقد سبقت الإشارة إليه). أما عبد الحق فهو عبد الحق بن محمد بن هارون الصقلي، صاحب كتاب "النكت والفروق لمسائل المدونة". توفي سنة ٤٦٦/ ١٠٧٣. وكلامه موجود في الكتاب المذكور، الصقلي، أبو محمد عبد الحق بن محمد بن هارون: النكت والفروق لمسائل المدونة، تحقيق أحمد بن إبراهيم بن عبد الله الحبيب (رسالة دكتوراه مقدمة إلى قسم الدراسات العليا بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى، ١٤١٦/ ١٩٩٦)، ص ٢٣٤. هذا وقد قال خليل عند الكلام على النيابة في الحج: "وكذلك القراءة لا تصل على المذهب، حكاه القرافي في قواعده، والشيخ ابن جَمرة. وهو المشهور من مذهب الشافعي، ذكره النووي في الأذكار. ومذهب أحمد وصول القراءة، ومذهب مالك كراهة القراءة على القبور". التوضيح، "كتاب الحج"، ج ٢، ص ٤٩٧.
(٣) المدونة الكبرى، ج ١، ص ٢٦٧؛ البيان والتحصيل، "كتاب الجنائز"، ج ٢، ص ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>