للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحرمة؛ (١) لأن كلامَ مالك لم يقع فيه لفظُ الكراهة، بل هي من تعبير فقهاء مذهبه تفسيرًا لمراده. وفي السماع هو الكراهة بالمعنى المصطلح عليه في الفقه، ولأن دليل التحريم لا وجودَ له، فحَمْلُ كلام مالك عليه تقوُّلٌ عليه، والإقدامُ على التحريم أمرٌ ليس بالهين، إذا لم تقم عليه الأدلةُ الصريحة.

وذهب اللخمي وابن يونس (٢) وابن رشد وابن العربي والقرطبي وابن الحاجب وابن عرفة من أئمة المالكية إلى أن القراءة مستحَبَّةٌ في المواطن الثلاثة، إذا أُريد إهداءُ ثوابِها إلى الميت، بناءً على ما اختاروه واختاره جمهورُ علماء المسلمين من تصحيح انتفاع الميت بما يُهديه له الأحياءُ من ثوابِ قراءة القرآن. (٣) وذلك أيضًا منسوبٌ إلى أبِي حنيفة رحمه الله، إلا أن أبا حنيفة اشترط أن لا يُقرأ عند الميت إلا بعد


(١) الشاطبي: كتاب الاعتصام، ج ٢، ص ٣٨ - ٣٩.
(٢) اللخمي هو الإمام أبو الحسن علي بن محمد الربعي المعروف باللخمي، وهو ابن بنت اللخمي القيرواني، نزيل صفاقس تفقه بابن محرز وأبي الفضل بن بنت خلدون وأبي الطيب وأبي إسحاق التونسي والسيوري وظهر في أيامه وطارت فتاويه. كان فقيهًا فاضلًا دينًا متفننًا، ذا حظ من الأدب، وبقي بعد أصحابه فحاز رياسة إفريقية، وتفقه به جماعةٌ منهم الإمام أبو عبد الله المازري، وأبو الفضل النحوي، والكلاعي، وعبد الحميد الصفاقسي. له تعليق كبير على المدونة سماه التبصرة، حسن مفيد توفي رحمه الله سنة ٤٧٨/ ١٠٨٥ بصفاقس، وقبره بها معروف، وقد شيد بالقرب منه مسجد كبير يحمل اسمه. أما ابن يونس فهو الإمام الحافظ النظار أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي، من أكابر العلماء وأئمة الترجيح في الفقه المالكي. أخذ عن القاضي أبي الحسن الحصائري، وعتيق بن عبد الحميد بن الفرضي، وأبي بكر بن عباس من علماء صقلية وغيرهم. كما أخذ عن شيوخ القيروان، وأكثرَ من النقل عن بعضهم ومنهم أبو عمران الفاسي، وحدث عن أبي الحسن القابسي. من مؤلفاته كتاب في الفرائض وكتاب "الجامع لمسائل المدونة والمختلطة" الذي سار فيه على منوال أبن أبي زيد القيرواني في كتاب "النوادر والزيادات" (وقد صدر عن دار البحوث والدراسات بدبي). توفي ابن يونس عليه رحمة الله في ربيع الأول سنة ٥٤١، ودفن بمدينة المنستير.
(٣) انظر في تفصيل الآراء في ذلك القرافي: كتاب الفروق، ج ٣، ص ٩٩٠ - ٩٩٢ (الفرق الثاني والسبعون والمائة)؛ الونشريسي: المعيار المعرب، ج ١، ص ٣٣١ - ٣٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>