للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه أربعةُ أقوالٍ للمالكية ولغيرهم من علماء الأمصار، كلها - عدا قول ابن حبيب منها في خصوص سورة يس - تجري في تلاوة الأذكار عند الميت في المواطن الثلاثة، إذا كانت تلك الأذكارُ مما ثبت أنه يُثاب عليه شرعًا، مثل الهيللة والتسبيح بصيغته المأثورة والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -. أما الأقوالُ التي لم يثبت في الشريعة ثوابٌ لقائلها ولا هي دعاء للميت، فلا يختلف علماؤنا في كراهة تلاوتها في المواطن الثلاثة، لانتفاء ما عارض دليلَ الكراهة عندهم من رجاءِ الثواب الحاصل من تلاوة القرآن والأذكار المشروعة.

وبهذا يظهر أنه لا يوجد مَنْ يقول بأن قراءة القرآن أو الذكر في مواطن الجنازة منكَرٌ حتى يترتَّب على ذلك أن يحتسب المسلمون بتغييره باليد أو باللسان، بل أقصى حكمِها في النهي أن تكونَ من قبيل المكروه، والمكروه لا يغَيَّر على فاعله. وقد جرى عملُ كثيرٍ من بلاد الإسلام على اتباع قول الذين رأَوْا استحبابَ القراءة، فلأهل الْميت الخيارُ بين أن يتَّبعوا السنةَ أو يتبعوا المستحب. قال أبو سعيد ابن لب (١) - كبير


= تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي وعبد الفتاح الحلو (الرياض: دار عالم الكتب، ط ٣، ١٤١٧/ ١٩٩٧)، ج ٣، ص ٥١٨ - ٥٢٢؛ القرافي: كتاب الفروق، ج ٣، ١٩٢ - ١٩٣ (الفرق الثاني والسبعون والمائة، وقد ذكر القرافي أن أبا حنيفة هو القائل بهذا)؛ الونشريسي: المعيار المعرب، ج ١، ص ٣٣١ - ٣٣٤. وقول عياض ذكره المواق في "التاج والإكليل" بهامش "مواهب الجليل". الحطاب، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي: مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، نشرة بعناية زكريا عميرات (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١٦/ ١٩٩٥)، ج ٣، ص ٥٢.
(١) هو أبو سعيد فرج بن قاسم بن أحمد بن لب الغرناطي الثعلبي، شيخ الجماعة، وعمدة فقهاء غرناطة، ومفتيها خطيب جامعها، والمدرس بالمدرسة النصرية بها. ولد سنة ٧٠١ هـ، ونشأ في غرناطة عاصمة دولة بني الأحمر التي استقرت بها بقايا علوم أهل الأندلس ومعارفهم بعد أن هيمن الجلالقة الصليبيون على ما تبقى من ديارهم وأموالهم، فارتحل إليها كثير من العلماء البارزين. فتيسر لابن لب الأخذ عن عدد منهم، كأبي الحسن علي بن عمر القيجاطي (المتوفَّى سنة ٧٣٠ هـ)، وأبي عبد الله محمد بن جابر الوادي آشي (المتوفَّى ٧٤٩ هـ). ذاع ذكر ابن لب بين عصرييه، وعلا صيته بين العلماء، فقصده طلبة العلم من كل صوب للتلمذة عليه، وكان من أبرز من نبغ من تلامذته الإمام أبو إسحاق الشاطبي صاحب كتاب "الموافقات" (المتوَفَّى سنة ٧٩٠ هـ)، =

<<  <  ج: ص:  >  >>