للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبِهذا يُعلم أن ما ادعاه الحفيدُ ابن رشد في كتابه "بداية المجتهد" وابن جزي في كتابه "القوانين الفقهية" من الإجماع على اعتبار اختلاف المطالع بين البلاد النائية جدًّا، مثل الأندلس من الحجاز، (١) ادعاءٌ غير صحيح؛ لأن الخلافَ واقعٌ في اعتبار المطالع بين البلدان النائية. والراجحُ عدمُ اعتبار اختلاف المطالع فيها، فكيف يُدَّعَى الإجماعُ على اعتبار اختلاف المطالع بين البلدان النائية جدًّا؟

وبهذا تأصل أصلٌ للنظر في هذه المسألة تتفرع عنه قواعد:

القاعدة الأولى: النظر في كيفية ثبوت الشهر. لا شك أن الصوم عبادةٌ مقصودة لذاتها، وأن له حكمةً عظيمة أطلعنا الله على شيء منها، وهو أعلم بما لم نطلع عليه. وجعل الله لهذه العبادة وقتًا تقع فيه، وهو الشهرُ المسمَّى رمضان من الأشهر الشرعية التي قدر الله نظامَها يوم خلق السموات والأرض، (٢) فقال تعالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ١٨٣, ١٨٤]، ثم قال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: ١٨٥]، ثم قال: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧].

فحصل من مجموع هذا تعيينُ العبادة المفروضة وتحديدُها، وتعيينُ زمانها. وبهذا كان شهر رمضان وقتًا لأَنْ تُصام أيامُه من مبدإ الشهر إلى نهايته، فوجب على الناس تعيينُ هذا الشهر مبدأ ونهاية. وكان الناسُ يوم نزول القرآن يعرفون الشهرَ بتجدد ضوء الهلال عقب محاقه.


(١) ابن رشد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ص ٢٧٦؛ ابن جزي، أبو القاسم محمد بن أحمد: القوانين الفقهية (بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية، ط ١، ١٤٣٠/ ٢٠٠٩)، ص ١٠١.
(٢) وفي ذلك جاء قوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦)} [التوبة: ٣٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>