وحقيقةُ الهلال أنه حالةُ انعكاس ضوء الشمس على جانبٍ من كرة القمر، وهو الجانبُ الذي ينعكس عليه ضوءُ الشمس، أي هو الجانب المقابِلُ للكرة الأرضية. وذلك الانعكاس يُسَمَّى عند علماء الفلك تولُّدًا، ويسمونه اقترانًا، ويُسمَّى عند عموم العرب - في آخر الشهر - محاقًّا. ولِمعرفتنا وجودَ الهلال عقب المحاق في علم الله طرق:
أولها: رؤيتُه بالبصر رؤيةً لا ريبة تتطرقها، وهذا حسِّيٌّ ضروري، ولا خلافَ في العمل به.
وثانيها: مرور ثلاثين ليلة من وقت استهلال الهلال الذي سبقه، وهذا الطريقُ قطعي تجريبي؛ إذ رصد الناسُ في جميع الأرض وفي كل العصور أحوالَ الهلال، فوجدوه لا يتأخر عن ذلك التقدير من الأيام. وتحقق ذلك لديهم واشتهر، فصار قطعيًّا، وهذا لا خلافَ فيه بين الأئمة.
وثالثها: دلالة الحساب الذي يضبطه المنجمون، أعني العالمين بسير النجوم علمًا لا يتطرق قواعده الشك، وحسابًا تحققت سلامتُه من الغلط، وذلك هو ما يسمى بالتقويم. فإذا ضبط الحسابُ وقتَ وجود الهلال باليوم والساعة، حصل لا محالةَ العلمُ بهذا الشهر القمري؛ إذ جُرِّب التقويم في حساب السنة الشمسية عند الأمم قديمًا وحديثًا في القرون العديدة فلم يُعثر له على غلط، واتبعه المسلمون في أوقات الصلوات وفي أوقات الإمساك والإفطار في رمضان، وجُرِّب عند العرب في حسابُ السنة القمرية كذلك. لكن منع فقهاءُ المذاهب الأربعة العملَ في إثبات الشهر الشرعي بحساب المنجِّمين وأهل التقاويم. (١)
(١) انظر مثلًا ابن رشد: المقدمات الممهدات، "كتاب الصيام"، ج ١، ص ٢٥٠؛ ابن عابدين: رد المحتار، ج ٣، ص ٣٥٤ - ٣٥٥؛ النووي، أبو زكريا محيي الدين بن شرف: كتاب المجموع شرح المهذب للشيرازي، حققه وأكمله محمد نجيب المطيعي (جدة: مكتبة الإرشاد، ١٩٨٠)، ج ٦، ص ٢٧٦.