للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت الرؤيةُ بالعين وحدها لا تمكن بعد مضيِّ ساعاتٍ من تكوُّنِ الهلال وبعد خروجه من بقايا شعاع الشمس عند الغروب، كان حسابُ التقويم أولَى من الرؤية؛ لأن تأخر ظهور الهلال للأبصار بعد وجوده بساعات حالةٌ طردية لا أثرَ لها في اعتبار القياس، كما أن تفاوتَ الأعين في رؤيته لا عبرةَ به، فالتفاوت إذن وصفٌ طردي. (١)

وقد يتمكن ضعيفُ البصر من رؤية الهلال بوضع نظارات، فيرى الشيء الذي لم يره قبل وضع النظارات. والنظارات أيضًا متفاوتةٌ في تقريب المرئي، فشتان بين النظارات الاعتيادية التي اعتاد بها أهل الأبصار الضعيفة وبين الناظور المكبر المسمى "مرآة الهند"، بله الناظور المضخم الذي ترصد به النجوم المسمى "تليسكوب". فالتقويم طريقٌ علمي يُكسب الظنَّ القريب من القطع بثبوت الهلال.

وقد اعتبر الشرعُ التقويم في أوقات الصلاة، فلا وجهَ لترك قياس ثبوت شهر الصوم على وقت الصلاة، إذ لا فرقَ بينهما إلا بأوصاف طردية، وهي لا تؤثر في الإجراء الشرعي.

وحاول شهابُ الدين القرافي التفرقةَ بينهما في الفرق الثاني والمائة فلم يأت بطائل، وآل كلامُه إلى أن حديث: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته" لا يشمل


= بمعنى أن السنة التي شرعت لنا الأخذَ بوسيلة أدنى، لما يحيط بها من الشك والاحتمال - وهي الرؤية - لا ترفض وسيلةً أعلى وأكملَ وأوفى بتحقيق المقصود، الخروج بالأمة من الاختلاف الشديد في تحديد بداية صيامها وفطرها وأضحاها، إلى الوحدة المنشودة في شعائرها وعباداتها، المتصلة بأخص أمور دينها، وألصقها بحياتها وكيانها الروحي، وهي وسيلة الحساب القطعي". القرضاوي، يوسف: فقه المقاصد بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية (القاهرة: دار الشروق، ط ٢، ٢٠٠٧)، ص ١٨١.
(١) انظر: الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب: الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي - رضي الله عنه -، تحقيق علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤١٤/ ١٩٩٤)، ج ٣، ص ٥١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>