للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن كان فيه شائبةُ الرواية وشائبةُ الشهادة، فقد غلب عليه عند مالك شائبةُ الشهادة، لأدلة من السنة الصحيحة، كما بينه شهاب الدين القرافي في الفرق الأول. (١)

ومن مراعاة إجراء أمر المسلمين على انتظام في القطر الواحد أو في سائر الأقطار بقدر الإمكان، ومن اتقاء تعريض عباداتهم إلى ظهور ما يناقضها من تبين كذب الْمخبِر أو توهمه بقدر الإمكان فيما استنبطناه من تعليل قول مالك رحمه الله، ويترتب على كون طريق ثبوته من قبيل الشهادة أن لا يكون ثبوتُه بواسطة القضاة، وأن يكون ثبوتُه بواسطتهم شبيهًا بالحكم. فلذلك كان المشهورُ عمومَه لسائر


= والثاني الشهادة. فأما طريقة الخبر، فإذا عمَّ الناسَ رؤيتُه فمن أخبره العدل عن هذه الرؤية لزمه الصيام، ويجري ذلك مجرى طلوع الفجر، وزوال الشمس وغروب الشمس في وجوب الصلاة ووجوب الإمساك للصوم والفطر عند انقضاء اليوم بالغروب. والطريق الثاني: الشهادة، وذلك إذا قل عدد الرائين له، فإنه يثبت من طريق الشهادة، فيُعتبر فيه من صفات الشهود عددهم، واختصاص ثبوته بالحكام ما يُعتبر في سائر الشهادات". (المصدر نفسه، ص ٧). انظر عرضًا مفصَّلًا للآراء في مسألة ثبوت رؤية هلال رمضان من باب الشهادة هي أم من باب الخبر في: البرزلي: جامع مسائل الأحكام، ج ٤، ص ١٧٨ - ١٨١.
(١) القرافي: كتاب الفروق، ج ١، ص ٧٤ - ٩١ (الفرق الأول بين الشهادة والرواية). وقد ذكر القرافي أن الذي حداه إلى ابتداء كتابه بهذه المسألة طول انشغاله بها وكثرة سؤاله أهلَ العلم عن الفرق بين الشهادة والرواية وضوابط التمييز بينهما من حيث الماهية، وعدم انثلاج صدره لما أجابوه به. ولم يزل على ذلك القلق نحو ثماني سنين حتى اطلع على تحقيق عند الإمام المازري للمسألة، حيث "ميز بين الأمرين من حيث هما". ثم أورد الكلام الآتي للمازري: "فقال رحمه الله: الشهادة والرواية خبران، غير أن المخبَر عنه إن كان عامًّا لا يختص بمعين فهو الرواية، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات" و"الشفعة فيما لا يُقسم"، لا يختص بشخص معين بل ذلك على جميع الخلق في جميع الأعصار والأمصار. بخلاف قول العدل عند الحاكم: لهذا عند هذا دينار، إلزامٌ لمعيَّن لا يتعداه إلى غيره فهذا هو الشهادة المحضة، والأول الرواية المحضة، ثم تجتمع الشوائب بعد ذلك". (ص ٧٥ - ٧٦). ولم أعثر على هذا الكلام بلفظه في شرح المازري على البرهان للجويني (ومن الجائز أن يكون القرافي نقله من شرح التلقين)، ولكن المازري مد القولَ فيها في باب الأخبار، فانظرها في: إيضاح المحصول من برهان الأصول، ص ٤٧٥ - ٤٧٨. وقارن بما جاء في: الجويني، إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف: نهاية المطلب في دراية المذهب، تحقيق عبد العظيم محمود الديب (جدة: دار المنهاج، ط ١، ١٤٢٨/ ٢٠٠٧)، ج ٤، ص ١٣ - ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>