للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا تقرر هذا، فطريقُ ثبوت الشهر إذا لم يكن على كمال ما قبله هو رؤيةُ الْمكلَّفِ الهلال، أو إخبارُ رجلين عدلين برؤية هلاله ليلة ثلاثين أو بشهادة مستفيضة، وإن لم يكونوا معروفين بالعدالة. فإذا لم تحصل إحدى هاتين الشهادتين، لا يثبت الشهرُ الذي هو سببُ وجوبِ الصوم ثبوتًا شرعيًّا، بحيث تترتب عليه مشروعيةُ مسبَّبِه وهو الصوم.

ثمَّ إن ثبوتَ رمضان شرعًا نوعان: ثبوتٌ عام وهو الغالب، وثبوتٌ خاص وهو نادر. فأما الثبوتُ العام، فهو الثبوتُ عند قاضي البلد بوصف كونه قاضيًا. فذلك الثبوتُ يجب العملُ به على مَنْ في ولاية القاضي، فهذا معنى كونه ثبوتًا عامًّا. وأما الثبوتُ الخاص، فهو الثبوتُ عند شخص في خاصة نفسه، بحيث لا يتعداه إلى غيره إلا إلى أهله كما سيأتي. والمرادُ بالشخص ما يشمل القاضي في خاصة نفسه، لا بوصفه قاضيًا، إذا لم يبلغ طريقُ الثبوت لديه أن يكون طريقًا عامًّا بل خاصًّا.

فأما طريقُ الثبوت العام، فيحصل بثلاثة وجوه: [الأول: ] حصوله بشهادة عدلين أو جماعة مستفيضة عند القاضي برؤية الهلال. (١) الثاني: حصوله بخطاب قاضي بلد آخر إياه بثبوت رؤية هلال رمضان عنده، إذا توفرت في ذلك شروطُ خطاب القضاة. (٢) الثالث: حصولُه بنقل ناقل للقاضي أن الشهر ثبت في بلد آخر حضره الناقل. وهذان الوجهان الأخيران مبنيان على القول بأن ثبوته في موضع يعم سائر الأقطار، إذا نقل إلى قضاتها وهو المشهور، خلافًا لمن قال إن لكل قوم رؤيتهم. (٣)


= لإطلاق الرواية الأولى، بدليل أن الرواية الأولى علل فيها ردَّ الشهادة بأن التفرد ظاهر في الغلط". ابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار، ج ٣، ص ٣٥٧. وانظر الكاساني: بدائع الصنائع، ج ٢، ص ٥٩٢ - ٥٩٨.
(١) انظر في ذلك مثلًا: القيرواني: النوادر والزيادات، ج ٢، ص ١٠؛ الباجي: المنتقى، ج ٣، ص ٥؛ ابن العربي: المسالك، ج ٤، ص ١٥٢ - ١٥٣؛ المالكي: التوضيح، "كتاب الصيام"، ج ٢، ص ٣٧٨ - ٣٧٩.
(٢) انظر في معنى خطاب القضاة وشروطه: التسولي: البهجة في شرح التحفة، ج ١، ص ١١٨ - ١٣٨.
(٣) انظر في هذه المسألة ما حرره المصنف بعنوان "ثبوت الشهر القمري" بعد هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>